قوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان } الآية قرئ{[34238]} «خُطُوَاتِ » بضم الطاء وسكونها{[34239]} . والخُطُوات : جمع خُطْوة وهو من خَطَا الرجلُ يَخْطُوا خَطْواً{[34240]} فإذا أردت الواحدة قلت : خَطْوَة مفتوحة الأول ، والمراد بذلك : السيرة {[34241]} .
والمعنى : لا تتبعوا آثار الشيطان ولا تسلكوا مسالكه في إشاعة الفاحشة ، والله تعالى وإن خص بذلك المؤمنين ، فهو نهي لكل المكلفين ، لأن قوله : { وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشيطان فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بالفحشاء } منع لكل المكلفين من ذلك والفحشاء : ما أفْرَط قُبْحُهُ . والمُنْكَر{[34242]} : ما تنكره النفوس ، فتنفر عنه ولا ترتضيه{[34243]} .
قوله : «فإنه يأمر » في هذه الهاء ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها ضمير الشأن ، وبه بدأ أبو البقاء {[34244]} .
وهذان الوجهان إنما يجوزان على رأي من لا يشترط{[34245]} عود الضمير{[34246]} على اسم الشرط من جملة الجزاء .
والثالث : أنه عائد على «مَنْ » الشرطية {[34247]} .
قوله : «مَا زَكَى » . العامة على تخفيف الكاف ، يقال : زَكَا يَزْكُو ، وفي ألفه الإمالة{[34248]} وعدمها . وقرأ الأعمش وابن محيصن وأبو جعفر بتشديدها{[34249]} . وكتبت ألفه ياء ، وهو شاذ ، لأنه من ذوات الواو كغزا{[34250]} ، وإنما حمل على لغة من أمال ، أو{[34251]} على كتابة المشدد{[34252]} .
فعلى قراءة التخفيف يكون «مِنْ أحَدٍ » فاعلاً . وعلى قراءة التشديد يكون مفعولاً ، و «مِنْ » مزيدة على كلا التقديرين ، والفاعل هو الله تعالى .
قال مقاتل : ما زَكَا : ما صلح {[34253]} .
وقال ابن قتيبة : ما ( ظهر{[34254]} ) {[34255]} .
وقيل : من بلغ في الطاعة لله مبلغ الرضا ، ( يقال : زكا الزرع ){[34256]} ، فإذا بلغ المؤمن في الصلاح في الدين ما يرضاه ( تعالى ){[34257]} سمي{[34258]} زكياً ، فلا يقال : زكى إلا إذا وجد زاكياً ، كما لا يقال لمن ترك الهدى : هداه الله مطلقاً ، بل يقال : هداه الله فلم يهتد{[34259]} . ودلت الآية على أن الله تعالى هو الخالق لأفعال العباد ، لأن التزكية كالتسويد والتحمير ، فكما أن التسويد يحصل السواد ، فكذا التزكية تحصل{[34260]} الزكاء في المحل{[34261]} .
والمعتزلة حملوها هنا{[34262]} على فعل الإلطاف ، أو على الحكم بكون العبد زكياً ، وهو خلاف الظاهر ، ولأن الله تعالى قال : { ولكن الله يُزَكِّي مَن يَشَاءُ } علق التزكية على الفضل والرحمة ، وخلق الإلطاف واجباً فلا يكون معلقاً بالفضل والرحمة ، وأما{[34263]} الحكم بكونه زكياً فذلك واجب ، لأنه لولا الحكم له لكان كذباً ( و ) {[34264]} الكذب على الله محال ، فكيف يجوز تعليقه بالمشيئة ؟{[34265]} .
قال ابن عباس في رواية عطاء : هذا خطاب للذين خاضوا في الإفك ، ومعناه : ما ظهر من هذا الذنب ولا صلح أمره بعد الذي فعل{[34266]} ، أي : ما قبل منكم توبة أحد أبداً ، { ولكن الله يُزَكِّي مَن يَشَاءُ } يطهر{[34267]} «مَنْ يَشَاءُ » من الذنب بالرحمة والمغفرة { والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي : يسمع أقوالكم في القذف ، وأقوالكم في البراءة و «عَلِيمٌ » بما في قلوبهم من محبة إشاعة الفاحشة أو من كراهتها ، وإذا كان كذلك وجب الاحتراز عن معصيته{[34268]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.