اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (21)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان } الآية قرئ{[34238]} «خُطُوَاتِ » بضم الطاء وسكونها{[34239]} . والخُطُوات : جمع خُطْوة وهو من خَطَا الرجلُ يَخْطُوا خَطْواً{[34240]} فإذا أردت الواحدة قلت : خَطْوَة مفتوحة الأول ، والمراد بذلك : السيرة {[34241]} .

والمعنى : لا تتبعوا آثار الشيطان ولا تسلكوا مسالكه في إشاعة الفاحشة ، والله تعالى وإن خص بذلك المؤمنين ، فهو نهي لكل المكلفين ، لأن قوله : { وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشيطان فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بالفحشاء } منع لكل المكلفين من ذلك والفحشاء : ما أفْرَط قُبْحُهُ . والمُنْكَر{[34242]} : ما تنكره النفوس ، فتنفر عنه ولا ترتضيه{[34243]} .

قوله : «فإنه يأمر » في هذه الهاء ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها ضمير الشأن ، وبه بدأ أبو البقاء {[34244]} .

والثاني : أنها ضمير الشيطان .

وهذان الوجهان إنما يجوزان على رأي من لا يشترط{[34245]} عود الضمير{[34246]} على اسم الشرط من جملة الجزاء .

والثالث : أنه عائد على «مَنْ » الشرطية {[34247]} .

قوله : «مَا زَكَى » . العامة على تخفيف الكاف ، يقال : زَكَا يَزْكُو ، وفي ألفه الإمالة{[34248]} وعدمها . وقرأ الأعمش وابن محيصن وأبو جعفر بتشديدها{[34249]} . وكتبت ألفه ياء ، وهو شاذ ، لأنه من ذوات الواو كغزا{[34250]} ، وإنما حمل على لغة من أمال ، أو{[34251]} على كتابة المشدد{[34252]} .

فعلى قراءة التخفيف يكون «مِنْ أحَدٍ » فاعلاً . وعلى قراءة التشديد يكون مفعولاً ، و «مِنْ » مزيدة على كلا التقديرين ، والفاعل هو الله تعالى .

فصل

قال مقاتل : ما زَكَا : ما صلح {[34253]} .

وقال ابن قتيبة : ما ( ظهر{[34254]} ) {[34255]} .

وقيل : من بلغ في الطاعة لله مبلغ الرضا ، ( يقال : زكا الزرع ){[34256]} ، فإذا بلغ المؤمن في الصلاح في الدين ما يرضاه ( تعالى ){[34257]} سمي{[34258]} زكياً ، فلا يقال : زكى إلا إذا وجد زاكياً ، كما لا يقال لمن ترك الهدى : هداه الله مطلقاً ، بل يقال : هداه الله فلم يهتد{[34259]} . ودلت الآية على أن الله تعالى هو الخالق لأفعال العباد ، لأن التزكية كالتسويد والتحمير ، فكما أن التسويد يحصل السواد ، فكذا التزكية تحصل{[34260]} الزكاء في المحل{[34261]} .

والمعتزلة حملوها هنا{[34262]} على فعل الإلطاف ، أو على الحكم بكون العبد زكياً ، وهو خلاف الظاهر ، ولأن الله تعالى قال : { ولكن الله يُزَكِّي مَن يَشَاءُ } علق التزكية على الفضل والرحمة ، وخلق الإلطاف واجباً فلا يكون معلقاً بالفضل والرحمة ، وأما{[34263]} الحكم بكونه زكياً فذلك واجب ، لأنه لولا الحكم له لكان كذباً ( و ) {[34264]} الكذب على الله محال ، فكيف يجوز تعليقه بالمشيئة ؟{[34265]} .

فصل

قال ابن عباس في رواية عطاء : هذا خطاب للذين خاضوا في الإفك ، ومعناه : ما ظهر من هذا الذنب ولا صلح أمره بعد الذي فعل{[34266]} ، أي : ما قبل منكم توبة أحد أبداً ، { ولكن الله يُزَكِّي مَن يَشَاءُ } يطهر{[34267]} «مَنْ يَشَاءُ » من الذنب بالرحمة والمغفرة { والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي : يسمع أقوالكم في القذف ، وأقوالكم في البراءة و «عَلِيمٌ » بما في قلوبهم من محبة إشاعة الفاحشة أو من كراهتها ، وإذا كان كذلك وجب الاحتراز عن معصيته{[34268]} .


[34238]:في ب: قرأ.
[34239]:قرأ بضم الطاء ابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم وابن كثير إلا أنه روى ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير "خطوات" خفيفة، أي: ساكنة الطاء. وقرأ الباقون بإسكان الطاء تخفيفا. فمن قرأ بضم الطاء حمل ذلك على أصل الأسماء، لأن الأسماء يلزمها في الجمع الضم وهي لغة أهل الحجاز، ومن قرأ بإسكان الطاء تخفيفا، لاجتماع ضمتين ووار، لأنه جمع، ولأنه مؤنث فاجتمع فيه ثقل الجمع وثقل التأنيث، وثقل الضمتين والواو، فحسن فيه التخفيف وقوي، السبعة (174)، الكشف 1/273- 274، الإتحاف (323).
[34240]:انظر اللسان (خطا).
[34241]:انظر الفخر الرازي 23/186.
[34242]:في ب: والمنكرة.
[34243]:انظر الفخر الرازي 23/186.
[34244]:الذي قاله أبو البقاء في التبيان: (قوله تعالى: {فإنه يأمر} الهاء ضمير الشيطان أو ضمير من) 2/967.
[34245]:في ب: لا يرى.
[34246]:في الأصل: ضمير.
[34247]:انظر التبيان 2/967، البحر المحيط 6/439.
[34248]:قال ابن جني (من ذلك قراءة أبي جعفر، وشيبة، وعيسى الهمداني، وعيسى الثقفي، ورويت عن عاصم، والأعمش أيضا "ما زكا" بالإمالة. قال أبو الفتح: من الواو، لقولهم فيه: زكوت تزكو فأمليت ألفه، فإن كانت من الواو من حيث كان فعلا، والأفعال أقعد في الاعتلال من الأسماء من حيث كانت كثيرة التصرف، وله وضعت، والإمالة ضرب من التصرف ولو كانت اسما لم تحسن إمالته حسنها في الفعل، وذلك نحو العفا: ولد الحمار الوحشي، والسنا: الذي يأتي من مكة) المحتسب 2/105.
[34249]:قال ابن خالويه: "ما زكى" بالإمالة شيبة والأعمش، "ما زكى" بالتشديد والإمالة الحسن، "ما زكى" بالفتح والتشديد الحسن وأبو حيوة) المختصر (101) وانظر البحر المحيط 6/439.
[34250]:في ب: لعزا. وهو تحريف.
[34251]:في ب: و. وهو تحريف.
[34252]:انظر البحر المحيط 6/439.
[34253]:انظر البغوي 6/83.
[34254]:تفسير غريب القرآن (302).
[34255]:ما بين القوسين في النسختين: ظهر والصواب ما أثبته.
[34256]:ما بين القوسين سقط من ب.
[34257]:ما بين القوسين سقط من ب.
[34258]:في ب: يقال. وهو تحريف.
[34259]:انظر الفخر الرازي 23/186.
[34260]:في ب: تحصيل.
[34261]:انظر الفخر الرازي 23/186.
[34262]:هنا: سقط من الأصل.
[34263]:في ب: فأما.
[34264]:و: سقط من الأصل.
[34265]:انظر الفخر الرازي 23/ 186 – 187.
[34266]:انظر البغوي 6/83.
[34267]:في ب: يظهر. وهو تصحيف.
[34268]:انظر الفخر الرازي 23/187.