قوله تعالى : { لينذر } قرأ أهل المدينة والشام ويعقوب ( ( لتنذر ) ) بالتاء وكذلك في الأحقاف وافق ابن كثير في الأحقاف ، أي : لتنذر يا محمد ، وقرأ الآخرون بالياء ، أي : لينذر القرآن ، { من كان حياً } يعني : مؤمناً حي القلب ، لأن الكافر كالميت في أنه لا يتدبر ولا يتفكر ، { ويحق القول } وتجب حجة العذاب . { على الكافرين* }
{ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا } أي : حي القلب واعيه ، فهو الذي يزكو على هذا القرآن ، وهو الذي يزداد من العلم منه والعمل ، ويكون القرآن لقلبه بمنزلة المطر للأرض الطيبة الزاكية . { وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ } لأنهم قامت عليهم به حجة اللّه ، وانقطع احتجاجهم ، فلم يبق لهم أدنى عذر وشبهة يُدْلُونَ بها .
وقد أنزلناه على الرسول الكريم { لينذر } به { مَن كَانَ حَيّاً } .
أى : من كان مؤمناً عاملاً ذا قلب حى ، ونفس نقية ، وأذن واعية ، لأن من كانت هذه صفاته انتفع بالإنذار والتذكير .
{ وَيَحِقَّ القول عَلَى الكافرين } أى : أن من كان ذا قلب فإنه ينتفع بالإِنذار ، أما من كان مصراً على كفره وضلاله ، فإن كلمة العذاب قد حقت عليه ، وصارت نهايته الإِلقاء به فى جهنم وبئس القرار .
وقد تكلم المفسرون هنا كلاما مفصلاً . عن كون القرآن ليس شعراً ، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم ليس شاعراً ، وعلى رأسهم صاحب الكشاف فقد قال ما ملخصه : كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه شاعر . فرد عليهم بقوله : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر } أى : أن القرآن ليس بشعر ، وأن هو من الشعر . والشعر إنما هو كلام موزون مقفى يدل على معنى ، فأين الوزن ؟ وأين التقفية ؟
وأين المعانى التى ينتحيها الشعراء من معانيه ؟ وأين نظم كلامهم من نظمه وأساليبه . . .
{ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } أى : وما يصح له ، ولا يتطلبه إن طلبه ، أى : جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له . ولم يتسهل كما جعلناه أميا . . لتكون الحجة أثبت ، والشبهة أدحض . . .
أنا النبى لا كذب . . . أنا ابن عبد المطلب
قلت : ما هو إلا كلام من جنس كلامه صلى الله عليه وسلم الذى كان يرمى به على السليفة . من غير صنعة ولا تكلف ، إلا أنه اتفق ذلك من غير قصد إلى ذلك ، ولا التفات منه إذا جاء موزونا ، كما يتفق فى كثير من إنشاءات الناس فى خطبهم ورسائلهم ، أشياء موزونة ، ولا يسميها أحد شعرا ، ولا يخطر ببال السامع ولا المتكلم أنها شعر . . .
أي : لينذر هذا القرآن البيّن كلّ حي على وجه الأرض ، كقوله : { لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [ الأنعام : 19 ] ، وقال : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ } [ هود : 17 ] . وإنما ينتفع بنذارته من هو حَيّ القلب ، مستنير البصيرة ، كما قال قتادة : حي القلب ، حي البصر . وقال الضحاك : يعني : عاقلا { وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ } أي : هو رحمة للمؤمن ، وحجة على الكافر .
وقوله : لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيّا يقول : إن محمد إلا ذكر لكم لينذر منكم أيها الناس من كان حيّ القلب ، يعقل ما يقال له ، ويفهم ما يُبيّن له ، غير ميت الفؤاد بليد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن رجل ، عن أبي رَوْق ، عن الضحاك ، في قوله : لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيّا قال : من كان عاقلاً .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيّا : حيّ القلب ، حيّ البصر .
قوله : وَيَحِقّ القَوْلُ على الكافِرِينَ يقول : ويحقّ العذاب على أهل الكفر بالله ، المولّين عن اتباعه ، المعرضين عما أتاهم به من عند الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَيحِقّ القَوْلُ على الكافِرِينَ بأعمالهم .
وقرأ نافع وابن كثير ، «لتنذر » بالتاء على مخاطبة محمد صلى الله عليه وسلم وقرأ الباقون «لينذر » بالياء أي لينذر القرآن أو لينذر محمد ، واللام في «لينذر » متعلقة ب { مبين } . وقرأ محمد اليماني «ليُنذَر » بضم الياء وفتح الذال قال أبو حاتم : ولو قرىء «لينذَر » بفتح الياء والذال أي لتحفظ ويأخذ بحظه لكان جائزاً ، وحكاها أبو عمرو قراءة عن محمد اليماني{[9816]} .
وقوله تعالى : { من كان حياً } أي حي القلب والبصيرة ، ولم يكن ميتاً لكفره ، وهذه استعارة قال الضحاك { من كان حياً } معناه عاقلاً ، { ويحق القول } معناه يحتم العذاب ويجب الخلود ، وهذا كقوله تعالى : { حقت كلمة ربك } [ يونس : 33 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.