وقوله - سبحانه - : { فَضْلاً مِّنَ الله وَنِعْمَةً } تعليل لما مَنَّ به - سبحانه - عليهم من تزيين الإِيمان فى قلوبهم . أى : فعل ما فعل من تحبيب الإِيمان إليكم ، ومن تبغيض الكفر إلى قلوبكم ، لأجل فضله عليكم ، ورحمته بكم ، وإنعامه عليكم بالنعم التى لا تحصى .
{ والله } - تعالى - { عَلِيمٌ } بكل شئ { حَكِيمٌ } فى كل أفعاله وأقواله وتصرفاته .
وبذلك نرى الآيات الكريمة ، قد رسمت للمؤمنين أحكم الطرق فى تلقى الأخبار ، وأرشدتهم إلى مظاهر فضله عليهم ، لكى يستمروا على شكرهم له وطاعتهم لرسله .
ثم قال : { فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً } أي : هذا العطاء {[27081]} الذي منحكموه هو فضل منه عليكم ونعمة من لدنه ، { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي : عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية ، حكيم في أقواله وأفعاله ، وشرعه وقدره .
وقوله : فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَنِعْمَةً يقول : ولكن الله حبّب إليكم الإيمان ، وأنعم عليكم هذه النعمة التي عدّها فضلاً منه ، وإحسانا ونعمة منه أنعمها عليكم وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يقول : والله ذو علم بالمحسن منكم من المسيء ، ومن هو لنعم الله وفضله أهل ، ومن هو لذلك غير أهل ، وحكمةٍ في تدبيره خلقه ، وصرفه إياهم فيما شاء من قضائه . وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : وَاعْلَمُوا أنّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ يُطِيعُكُم فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتّمْ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَاعْلَمُوا أنّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ . . . حتى بلغ لَعَنِتّمْ هؤلاء أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، لو أطاعهم نبيّ الله في كثير من الأمر لعنتم ، فأنتم والله أسخف رأيا ، وأطيش عقولاً ، اتهم رجل رأيه ، وانتصح كتاب الله ، فإن كتاب الله ثقة لمن أخذ به ، وانتهى إليه ، وإن ما سوى كتاب الله تغرير .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، قال : قال معمر ، تلا قتادة لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتّمْ قال : فأنتم أسخف رأيا وأطيش أحلاما ، ، فاتهم رجل رأيه ، وانتصح كتاب الله وكذلك كما قلنا أيضا في تأويل قوله : وَلَكِنّ الله حَبّبَ إلَيْكُمُ الإيمَانَ قالوا . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : حَبّبَ إلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ قال : حببه إليهم وحسّنه في قلوبهم . وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله وكَرّهَ إلَيْكُمُ الكُفْرَ والفُسُوقَ وَالعِصْيانَ أولَئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَنِعْمَةً قالوا أيضا . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وكَرّهَ الَيْكُمُ الكُفْرَ والفُسُوقَ قال : الكذب والعصيان قال : عصيان النبيّ صلى الله عليه وسلم أُولَئِكَ هُم الرّاشدونَ من أين كان هذا ؟ قال : فضل من الله ونعمة قال : والمنافقون سماهم الله أجمعين في القرآن الكاذبين قال : والفاسق : الكاذب في كتاب الله كله .
{ فضلا من الله ونعمة } تعليل ل { كره } أو { حبب } ، وما بينهما اعتراض لا لا { الراشدون } فإن الفضل فعل الله ، والرشد وإن كان مسببا عن فعله مسند إلى ضميرهم أو مصدر لغير فعله فإن التحبيب والرشد فضل من الله وإنعام . { والله عليم } بأحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل { حكيم } حيث يفضل وينعم بالتوفيق عليهم .
وقوله تعالى : { فضلاً من الله ونعمة } مصدر مؤكد لنفسه ، لأن ما قبله هو بمعناه ، إن التحبيب والتزيين هو نفس الفضل ، وقد يجيء المصدر مؤكداً لما قبله إذا لم يكن هو نفس ما قبله ، كقولك جاءني زيد حقاً ونحوه وكان قتادة رحمه الله يقول : قد قال الله تعالى لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : { واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } ، وأنتم والله أسخف الناس رأياً ، وأطيش أحلاماً ، فليتهم رجل نفسه ، ولينتصح كتاب الله تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.