الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (8)

قوله : { فَضْلاً } : يجوز أَنْ ينتصِبَ على المفعولِ من أجله . وفيما ينصِبُه وجهان ، أحدهما : قوله : { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ } ، وعلى هذا فما بينهما اعتراضٌ مِنْ قولِه : { أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } . والثاني : أنه الراشدون . وعلى هذا فكيف جازَ مع اختلاف الفاعلِ لأنَّ فاعلَ الرُّشدِ غيرُ فاعلِ الفضل ؟ فأجاب الزمخشريُّ : بأنَّ الرُّشْدَ لَمَّا وقع عبارةً عن التحبيب والتزيين والتكريه مسندةً إلى أسمائِه صار الرُّشد كأنه فِعْلُه " . وجَوَّزَ أيضاً أَنْ ينتصِبَ بفعلٍ مقدرٍ أي : جرى ذلك أو كان ذلك . قال الشيخ : " وليس مِنْ مواضِع إضمارِ " كان " ، وجَعَلَ كلامَه الأولَ اعتزالاً . وليس كذلك ؛ لأنه أراد الفعلَ المسندَ إلى فاعلِه لفظاً ، وإلاَّ فالتحقيقُ أنَّ الأفعالَ كلَّها مخلوقةٌ للَّهِ تعالى ، وإنْ كان الزمخشريُّ غيرَ موافقٍ عليه . ويجوزُ أَنْ ينتصِبَ على المصدرِ المؤكِّد لمضمونِ الجملة السابقةِ لأنها فضلٌ أيضاً . إلاَّ أنَّ ابنَ عطيةَ جعله من المصدرِ المؤكِّد لنفسه . وجَوَّزَ الحوفيُّ أن ينتصبَ على الحالِ وليسَ بظاهرٍ ، ويكون التقديرُ : مُتَفَضِّلاً مُنَعِّماً ، أو ذا فضلٍ ونِعْمة .