البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (8)

{ فضلاً من الله ونعمة } ، قال ابن عطية : مصدر مؤكد لنفسه ، لأن ما قبله هو بمعناه ، هذا التحبيب والتزيين هو نفس الفضل .

وقال الحوفي : فضلاً نصب على الحال .

انتهى ، ولا يظهر هذا الذي قاله .

وقال أبو البقاء : مفعول له ، أو مصدر في معنى ما تقدم .

وقال الزمخشري : فضلاً مفعول له ، أو مصدر من غير فعله .

فإن قلت : من أين جاز وقوعه مفعولاً له ، والرشد فعل القوم ، والفضل فعل الله تعالى ، والشرط أن يتحد الفاعل ؟ قلت : لما وقع الرشد عبارة عن التحبيب والتزيين والتكريه مسندة إلى اسمه ، تقدست أسماؤه ، وصار الرشد كأنه فعله ، فجاز أن ينتصب عنه ولا ينتصب عن الراشدون ، ولكن عن الفعل المسند إلى اسم الله تعالى .

والجملة التي هي { أولئك هم الراشدون } اعتراض ، أو عن فعل مقدر ، كأنه قيل : جرى ذلك ، أو كان ذلك فضلاً من الله .

وأما كونه مصدراً من غير فعله ، فأن يوضع موضع رشداً ، لأن رشدهم فضل من الله لكونهم موفقين فيه ، والفضل والنعمة بمعنى الأفضال والأنعام .

{ والله عليم } بأحوال المؤمنين وما بينهم من التمايز والتفاضل ، { حكيم } حين يفضل وينعم بالتوفيق على أفاضلهم . انتهى .

أما توجيهه كون فضلاً مفعولاً من أجله ، فهو على طريق الاعتزال .

وأما تقديره أو كان ذلك فضلاً ، فليس من مواضع إضمار كان ، ولذلك شرط مذكور في النحو .