اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (8)

قوله : { فَضْلاً } يجوز أن ينتصب على المفعول من أجله{[52033]} . وفيما ينصبه وجهان :

أحدهما : قوله : { ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ } وعلى هذا فما بينهما اعتراض من قوله : { أولئك هُمُ الراشدون } .

والثاني : أنه الفعل الذي في قوله «الرّاشدون » . وعلى هذا يقال : فكيف جاز أن يكون فضل الله الذي هو فعل الله مفعولاً له بالنسبة إلى الرشد الذي هو فعل العبد فاختلف الفاعل ، لأن فاعَل الرُّشْدِ غير فاعل الفَضْل ؟ . وأجاب الزمخشري : بأن الرشد لما كان توفيقاً من الله تعالى كان فعل الله وكأنه تعالى أرشدهم فضلاً أي يكون متفضِّلاً عليهم ، منعماً في حقهم ، لأن الرشد عبارة عن التحبب والتَّزْيين والتكريه . وجوز أيضاً أن ينتصب بفعل مقدر ، أي جرى ذلك وكان ذلك فضلاً من الله{[52034]} . قال أبو حيان : وليس من مواضع إضمار كان ، وجعل كلامه الأول اعتزالاً{[52035]} . وليس كذلك لأنه أراد الفعل المسند إلى فاعله لفظاً وإلا فالتحقيق أن الأفعالَ كلها مخلوقة لله تعالى وإنْ كان الزمخشري غَيْرَ موافقٍ عَلَيْه .

ويجوز أن ينتصب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة ، لأنها فضل أيضاً ، إلا أنَّ ابن عطية جعله من المصدر المؤكد لنفسه .

وجوز الحَوْفِيُّ أن ينتصب على الحال وليس بظاهر ويكون التقدير متفضلاً منعماً أو ذا فضل ونعمة{[52036]} قال ابن الخطيب : ويجوز أن يكون فضلاً مفعولاً به والفعل مضمراً دل عليه قوله تعالى : { أولئك هُمُ الراشدون } وهم يبتغون فضلاً من الله ونعمة{[52037]} ، قال : لأن قوله : فضلاً من الله إشارة إلى ما هو من جانب الله المغني . والنعمة إشارة إلى ما هو من جانب العبد من اندفاع الحاجة . وهذا يؤكد قولنا : أن ينتصب «فضلاً » بفعل مضمر وهو الابتغاء والطَّلَبُ{[52038]} .

ثم قال : { والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } وفيه مناسبات :

منها : أنه تعالى لما ذكر نبأ الفاسق قال : فلا يعتمد على تَرْوِيجِهِ عليكم الزُّورَ فإن الله عليم ، ولا يقل كقوله المنافق : «لَوْلاَ يَعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ » فإن الله حكيم لا يفعل إلا على وَفْق حكمته .

وثانيها : لما قال تعالى : { واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله لَوْ يُطِيعُكُمْ } بمعنى لا يطيعكم بل يتبع الوحي «فإن الله عليم » يعلم من يكذبه «حكيمٌ » بأمره بما تقتضيه الحكمة{[52039]} .


[52033]:قاله الزمخشري في الكشاف 3/562 وأبو البقاء في التبيان 1171 وأبو حيان نقلا عن الكشاف في البحر 8/110.
[52034]:بالمعنى من الكشاف المرجع السابق وباللفظ من تفسير الإمام الفخر 28/125.
[52035]:البحر 8/111.
[52036]:المرجع السابق.
[52037]:الرازي 28/125.
[52038]:نفسه 28/126.
[52039]:السابق.