فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (8)

{ فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم( 8 ) } .

تفضل المولى فأتمّ النعمة بهذا الهدى والنور والحياة والروح { . . اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا . . }{[5169]} والله عليم بما فيه الفلاح والصلاح ، وحكيم في ما سنّ ودبّر .

[ . . وجوز كونه مصدرا لغير فعله فهو منصوب إما بحبّب أو بالراشدين فإن التحبيب والرشد من فضل الله تعالى وإنعامه ؛ وقيل : مفعول به لمحذوف أي : يبتغون فضلا . . ]{[5170]} .

أخرج أحمد وغيره بسند جيد عن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به ، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها ، وقلت : يا رسول الله ؟ أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة ، فمن استجاب لي جمعت زكاته وترسل إليّ يا رسول الله رسولا لإبّان{[5171]} وكذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة ؛ فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له ، وبلغ الإبّان الذي أزاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس الرسول فلم يأت ، فظن الحارث أن قد حدث فيه سخطة{[5172]} من الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ، فدعا سروات{[5173]} قومه فقال لهم : رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقّت لي وقتا يرسل إليّ رسوله ليقبض ما كان عندنا من الزكاة ، وليس من رسول الله عليه الصلاة والسلام الخلف ، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة ، فانطلقوا بنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط- وهو أخو عثمان رضي الله تعالى عنه لأمه- إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة ، فلما أن سار الوليد إلى أن بلغ بعض الطريق فرق{[5174]} فرجع ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي ؛ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث فأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبله الحارث وقد فصل{[5175]} عن المدينة قالوا : هذا الحارث ؟ فلما غشيهم{[5176]} قال لهم : إلى من بُعِثْتُم ؟ قالوا : إليك ؛ قال : ولم ؟ قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة ، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله ؛ قال : لا ! و والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته بتّه ولا أتاني ؛ فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟ ) قال : لا ! والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا رآني ، ولا أقبلت إلا حين احتبس عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خشية أن يكون سخطة من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فنزل : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم } إلى قوله سبحانه : { حكيم } .


[5169]:سورة المائدة من الآية 3.
[5170]:من تفسير روح المعاني ما بين العارضتين.
[5171]:لوقت كذا.
[5172]:أمر مغضب.
[5173]:أشراف.
[5174]:خاف.
[5175]:تجاوز وبعد.
[5176]:لقيهم.