معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

قوله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } في الدين والولاية ، { فأصلحوا بين أخويكم } إذا اختلفا واقتتلا ، قرأ يعقوب بين إخوتكم بالتاء على الجمع ، { واتقوا الله } فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره ، { لعلكم ترحمون } .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أبو محمد الحسين بن أحمد المخلدي ، أنبأنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربةً فرج الله بها عنه كربةً من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة " . وفي هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان ، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين ، يدل عليه ما روي عن الحارث الأعور أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل -وهو القدوة- في قتال أهل البغي ، عن أهل الجمل وصفين : أمشركون هم ؟ فقال : لا ، من الشرك فروا ، فقيل : أمنافقون هم ؟ فقال : لا ، إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً ، قيل : فما حالهم . قال : إخواننا بغوا علينا . والباغي في الشرع هو الخارج على الإمام العدل ، فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل بتأويل محتمل ، ونصبوا إماماً فالحكم فيهم أن يبعث الإمام إليهم ويدعوهم إلى طاعته ، فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم ، وإن لم يذكروا مظلمة ، وأصروا على بغيهم ، قاتلهم الإمام حتى يفيئوا إلى طاعته ، ثم الحكم في قتالهم أن لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ، ولا يذفف على جريحهم ، نادى منادي علي رضي الله عنه يوم الجمل ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح ، وأتي علي رضي الله عنه يوم صفين بأسير فقال له : لا أقتلك صبراً إني أخاف الله رب العالمين . وما أتلفت إحدى الطائفتين على الأخرى في حال القتال من نفس أو مال فلا ضمان عليه . قال ابن شهاب : كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول ، وأتلف فيها أموال كثيرة ، ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم ، وجرى الحكم عليهم ، فما علمته اقتص من أحد ولا أغرم مالاً أتلفه . أما من لم يجتمع فيهم هذه الشرائط الثلاث بأن كانوا جماعة قليلين لا منعة لهم ، أو لم يكن لهم تأويل ، أو لم ينصبوا إماماً فلا يتعرض لهم إن لم ينصبوا قتالاً ولم يتعرضوا للمسلمين ، فإن فعلوا فهم كقطاع الطريق . روي أن علياً رضي الله عنه سمع رجلاً يقول في ناحية المسجد : لا حكم إلا لله ، فقال علي : كلمة حق أريد بها باطل ، لكم علينا ثلاث : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نبدؤكم بقتال .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } هذا عقد ، عقده الله بين المؤمنين ، أنه إذا وجد من أي شخص كان ، في مشرق الأرض ومغربها ، الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، فإنه أخ للمؤمنين ، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون ، ما يحبون لأنفسهم ، ويكرهون له ، ما يكرهون لأنفسهم ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم آمرًا بحقوق الأخوة الإيمانية : " لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا يبع أحدكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانًا المؤمن أخو المؤمن ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره " {[799]} .

وقال صلى الله عليه وسلم{[800]}  " المؤمن للمؤمن ، كالبنيان يشد بعضه بعضًا " وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه .

ولقد أمر الله ورسوله ، بالقيام بحقوق المؤمنين ، بعضهم لبعض ، وبما به يحصل التآلف والتوادد ، والتواصل بينهم ، كل هذا ، تأييد لحقوق بعضهم على بعض ، فمن ذلك ، إذا وقع الاقتتال بينهم ، الموجب لتفرق القلوب وتباغضها [ وتدابرها ] ، فليصلح المؤمنون بين إخوانهم ، وليسعوا فيما به يزول شنآنهم .

ثم أمر بالتقوى عمومًا ، ورتب على القيام بحقوق المؤمنين وبتقوى الله ، الرحمة [ فقال : { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وإذا حصلت الرحمة ، حصل خير الدنيا والآخرة ، ودل ذلك ، على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين ، من أعظم حواجب الرحمة .

وفي هاتين الآيتين من الفوائد ، غير ما تقدم : أن الاقتتال بين المؤمنين مناف للأخوة الإيمانية ، ولهذا ، كان من أكبر الكبائر ، وأن الإيمان ، والأخوة الإيمانية ، لا تزول مع وجود القتال كغيره من الذنوب الكبار ، التي دون الشرك ، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة ، وعلى وجوب الإصلاح ، بين المؤمنين بالعدل ، وعلى وجوب قتال البغاة ، حتى يرجعوا إلى أمر الله ، وعلى أنهم لو رجعوا ، لغير أمر الله ، بأن رجعوا على وجه لا يجوز الإقرار عليه والتزامه ، أنه لا يجوز ذلك ، وأن أموالهم معصومة ، لأن الله أباح دماءهم وقت استمرارهم على بغيهم خاصة ، دون أموالهم .


[799]:- في ب: أورد الشيخ الحديث كما يلي: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله أخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، ولا يكذبه) متفق عليه.
[800]:- في ب: وفيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

وقوله : { إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ . . } استئناف مقرر لمضمون ما قبله من الأمر بوجوب الإِصلاح بين المتخاصمين .

أى : إنما المؤمنون إخوة فى الدين والعقيدة ، فهم يجمعهم أصل واحد وهو الإِيمان ، كما يجمع الإِخوة أصل واحد وهو النسب ، وكما ان أخوة النسب داعية إلى التواصل والتراحكم والتناصر فى جلب الخير ، وفدع الشر ، فكذلك الأخوة فى الدين تدعوكم إلى التعاطف والتصالح ، وإلى تقوى الله وشخيته ، ومتى تصالحتم واتقيتم الله - تعالى - كنتم أهلا لرحمته ومثوبته .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : فلم خص الإِثنان بالذكر دون الجمع فى قوله : فأصلحوا بين أخويكم - ؟

قلت : لأن أقل من يقع بينهم الشقاق اثنان ، فإذا لزمت المصالحة بين الأقل ، كانت بين الأكثر ألزم ، لأن الفساد فى شقاق الجمع أكثر منه فى شقاق الاثنين .

هذا ، وقد أخذ العلماء من هاتين الآيتين جملة من الأحكام منها :

أن الأصل فى العلاقة بين المؤمنين أن تقوم على التواصل والتراحم ، لا على التنازع والتخاصم ، وأنه إذا حدث نزاع بين طائفتين من المؤمنين ، فعلى بقية المؤمنين أن يقوموا بواجب الإِصلاح بينهما حتى يرجعا إلى حكم الله - تعالى - .

قال الشوكانى : إذا تقاتل فريقان من المسلمين ، فعلى المسلمين أن يسعوا بالصلح بينهم ، ويدعوهم إلى حكم الله فإن حصل بعد ذلك التعدى من إحدى الطائفتين على الأخرى ، ولم تقبل الصلح ولا دخلت فيه ، كان على المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية ، حتى ترجع إلى أمر الله وحكمه ، فإن رجعت تلك الطائفة الباغية عن بغيها ، وأجابت الدعوة إلى كتاب الله وحكمه ، فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين فى الحكم ، ويتحروا الصواب المطابق لحكم الله ، ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة ، حتى تخرج من الظلم ، وتؤدى ما يجب عليها نحو الأخرى .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

وقوله : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } أي : الجميع إخوة في الدين ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه " {[27092]} . وفي الصحيح : " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " {[27093]} . وفي الصحيح أيضا : " إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك : آمين ، ولك بمثله " {[27094]} . والأحاديث في هذا كثيرة ، وفي الصحيح : " مثل المؤمنين في تَوادِّهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحُمَّى والسَّهَر " . وفي الصحيح أيضا : " المؤمن للمؤمن كالبنيان ، يشد بعضه بعضا " وشبك بين أصابعه{[27095]} .

وقال أحمد : حدثنا أحمد بن الحجاج ، حدثنا عبد الله ، أخبرنا مصعب بن ثابت ، حدثني أبو حازم قال : سمعت سهل بن سعد الساعدي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، يألم المؤمن لأهل الإيمان ، كما يألم الجسد لما في الرأس " {[27096]} . تفرد به ولا بأس بإسناده .

وقوله : { فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } يعني : الفئتين المقتتلتين ، { وَاتَّقُوا اللَّهَ } أي : في جميع أموركم { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه .


[27092]:- (5) رواه البخاري في صحيحه برقم (2442) ومسلم في صحيحه برقم (2580) من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
[27093]:- (6) صحيح مسلم برقم (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[27094]:- (7) صحيح مسلم برقم (2732) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
[27095]:- (8) صحيح البخاري برقم (6011) وصحيح مسلم برقم (2586) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
[27096]:- (9) المسند (5/340) وقال الهيثمي في المجمع (8/187): "رجال أحمد رجال الصحيح".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به إنّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ في الدين فأَصْلِحُوا بَينَ أخَوَيْكُمْ إذا اقتتلا بأن تحملوهما على حكم الله وحكم رسوله . ومعنى الأخوين في هذا الموضع : كل مقتتلين من أهل الإيمان ، وبالتثنية قرأ ذلك قرّاء الأمصار . وذُكر عن ابن سيرين أنه قرأ «بين إخوانكم » بالنون على مذهب الجمع ، وذلك من جهة العربية صحيح ، غير أنه خلاف لما عليه قرّاء الأمصار ، فلا أحبّ القراءة بها وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ يقول تعالى ذكره : وخافوا الله أيها الناس بأداء فرائضه عليكم في الإصلاح بين المقتتلين من أهل الإيمان بالعدل ، وفي غير ذلك من فرائضه ، واجتناب معاصيه ، ليرحمكم ربكم ، فيصفح لكم عن سالف إجرامكم إذا أنتم أطعتموه ، واتبعتم أمره ونهيه ، واتقيتموه بطاعته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

{ إنما المؤمنون إخوة } من حيث إنهم منتسبون إلى أصل واحد وهو الإيمان الموجب للحياة الأبدية ، وهو تعليل وتقرير للأمر بالإصلاح ولذلك كرره مرتبا عليه بالفاء فقال : { فأصلحوا بين أخويكم } ووضع الظاهر موضع الضمير مضافا إلى المأمورين للمبالغة في التقرير والتخصيص ، وخص الاثنين بالذكر لأنهما أقل من يقع بينهم الشقاق . وقيل المراد بالأخوين الأوس والخزرج . وقرئ " بين إخوتكم " و " إخوانكم " . { واتقوا الله } في مخالفة حكمه والإهمال فيه . { لعلكم ترحمون } على تقواكم .