فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

وجملة : { إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ } مستأنفة مقرّرة لما قبلها من الأمر بالإصلاح ، والمعنى : أنهم راجعون إلى أصل واحد وهو الإيمان . قال الزجاج : الدين يجمعهم ، فهم إخوة إذا كانوا متفقين في دينهم فرجعوا بالاتفاق في الدين إلى أصل النسب لأنهم لآدم وحواء { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } يعني : كل مسلمين تخاصما وتقاتلا ، وتخصيص الاثنين بالذكر لإثبات وجوب الإصلاح فيما فوقهما بطريق الأولى . قرأ الجمهور : { بين أخويكم } على التثنية ، وقرأ زيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود والحسن وحماد بن سلمة وابن سيرين { إخوانكم } بالجمع ، وروي عن أبي عمرو ونصر بن عاصم وأبي العالية والجحدري ويعقوب أنهم قرءوا ( بين إخوتكم ) بالفوقية على الجمع أيضاً . قال أبو عليّ الفارسي في توجيه قراءة الجمهور : أراد بالأخوين : الطائفتين ؛ لأن لفظ التثنية قد يرد ويراد به الكثرة . وقال أبو عبيدة : أي أصلحوا بين كل أخوين { واتقوا الله } في كل أموركم { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } بسبب التقوى ، والترجي باعتبار المخاطبين : أي راجين أن ترحموا ، وفي هذه الآية دليل على قتال الفئة الباغية إذا تقرّر بغيها على الإمام ، أو على أحد من المسلمين ، وعلى فساد قول من قال بعدم الجواز مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم : «قتال المسلم كفر » ، فإن المراد بهذا الحديث وما ورد في معناه قتال المسلم الذي لم يبغ . قال ابن جرير : لو كان الواجب في كلّ اختلاف يكون بين فريقين من المسلمين الهرب منه ، ولزوم المنازل لما أقيم حقّ ، ولا أبطل باطل ولوجد أهل النفاق والفجور سبباً إلى استحلال كل ما حرّم الله عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم بأن يتحزّبوا عليهم ، ولكفّ المسلمين أيديهم عنهم ، وذلك مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم : «خذوا على أيدي سفهائكم » . قال ابن العربي : هذه الآية أصل في قتال المسلمين ، وعمدة في حرب المتأوّلين ، وعليها عوّل الصحابة ، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة ، وإياها عنى النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله : «تقتل عماراً الفئة الباغية » ، وقوله صلى الله عليه وسلم في شأن الخوارج : «يخرجون على حين فرقة من الناس تقتلهم أولى الطائفتين بالحقّ » .

/خ12