الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

هذا تقرير لما ألزمه من تولى الإصلاح بين من وقعت بينهم المشاقة من المؤمنين ، وبيان أن الإيمان قد عقد بين أهله من السبب القريب والنسب اللاصق : ما إن لم يفضل الأخوّة ولم يبرز عليها لم ينقص عنها ولم يتقاصر عن غايتها . ثم قد جرت عادة الناس على أنه إذا نشب مثل ذلك بين اثنين من إخوة الولاد ، لزم السائر أن يتناهضوا في رفعه وإزاحته ، ويركبوا الصعب والذلول مشياً بالصلح وبثاً للسفراء بينهما ، إلى أن يصادف ما وهي من الوفاق من يرقعه ، وما استشن من الوصال من يبله ؛ فالأخوة في الدين أحق بذلك وبأشدّ منه . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يعيبه ، ولا يتطاول عليه في البنيان فيستر عنه الريح إلا بإذنه ، ولا يؤذيه بقتار قدره " ثم قال : " احفظوا ، ولا يحفظ منكم إلا قليل " .

فإن قلت : فلم خص الاثنان بالذكر دون الجمع ؟ قلت : لأن أقل من يقع بينهم الشقاق اثنان ؛ فإذا لزمت المصالحة بين الأقل كانت بين الأكثر ألزم ؛ لأنّ الفساد في شقاق الجمع أكثر منه في شقاق الاثنين ، وقيل : المراد بالأخوين الأوس والخزرج ، وقرىء : «بين إخوتكم وإخوانكم » والمعنى : ليس المؤمنون إلا إخوة ، وأنهم خلص لذلك متمحضون ، قد انزاحت عنهم شبهات الأجنبية ، وأبي لطف حالهم في التمازج والاتحاد أن يقدموا على ما يتولد منه التقاطع ، فبادروا قطع ما يقع من ذلك إن وقع واحسموه { واتقوا الله } فإنكم إن فعلتم لم تحملكم التقوى إلا على التواصل والائتلاف ، والمسارعة إلى إماطة ما يفرط منه ، وكان فعلكم ذلك وصول رحمة الله إليكم ، واشتمال رأفته عليكم حقيقاً بأن تعقدوا به رجاءكم .