فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

وجملة { إنما المؤمنون إخوة } مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر بالإصلاح ، والمعنى : أنهم راجعون إلى أصل واحد ، وهو الإيمان ، قال الزجاج : الدين يجمعهم فهم إخوة إذا كانوا متفقين في دينهم فرجعوا بالاتفاق في الدين إلى أصل النسب ، لأنهم لآدم وحواء ، قال بعضهم :

أبى الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم

ولنعم ما قيل :

القوم إخوان صدق بينهم سبب من المودة لم يعدل به نسب

وذلك أن الإيمان قد عقد بين أهله من السبب القريب والنسب اللاصق ما إن لم يفضل الأخوة لم ينقص عنها ثم قد جرت العادة على أنه إذا نشأ مثل ذلك بين الأخوين ولادا لزم السائر أن يتناهضوا في رفعه وإزاحته بالصلح بينهما ، فالأخوة في الدين أحق بذلك .

{ فأصلحوا بين أخويكم } يعني بين كل المسلمين تخاصما وتقاتلا ، وفيه وضع الظاهر موضع المضمر مضافا إلى المأمورين بالإصلاح ، للمبالغة في التقرير والفاء للإيذان بأن الأخوة الدينية موجبة للإصلاح أو تخصيص الاثنين بالذكر لإثبات وجوب الإصلاح فيما فرقهما بطريق الأولى لأنهما أقل من يقع بينهما الشقاق ، فإذا لزمت المصالحة بين الأقل كانت بين الأكثر ألزم لأن الفساد في شقاق الجمع أكثر منه في شقاق الاثنين ، قرأ الجمهور على التثنية ، قال أبو علي الفارسي في توجيهها : أراد بالأخوين الطائفتين ، لأن لفظ التثنية قد يرد ويراد به الكثرة ، وقال أبو عبيدة : أي أصلحوا بين كل أخوين ، وقرئ إخوانكم بالجمع وقرئ أخوتكم بالفوقية على الجمع أيضا .

{ واتقوا الله } في كل أموركم { لعلكم ترحمون } بسبب التقوى ، والترجي باعتبار المخاطبين أي : راجين أن يرحموا ، أو لعل من الله في هذا المقام إطماع من الكريم الرحيم إذ لإطماع فعل ما يطمع فيه لا محالة وفي هذا الآية دليل على قتال الفئة الباغية إذا تقرر بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين ، وعلى فساد قول من قال بعدم الجواز مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم " قتال المسلم كفر " فإن المراد بهذا الحديث وما ورد في معناه قتال المسلم الذي لم يبغ ، قال ابن جرير ، لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين فريقين من المسلمين الهرب منه ولزوم المنازل ، لما أقيم حق ولا أبطل باطل ، ولوجد أهل النفاق والفجور سببا إلى استحلال كل ما حرم الله من أموال المسلمين ، وسبي نسائهم ، وسفك دمائهم ، بأن يتحزبوا عليهم ، ويكف المسلمون أيديهم عنهم وذلك مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم " خذوا على أيدي سفهائكم " {[1523]}

قال ابن العربي : هذه الآية أصل في قتال المسلمين وعمدة في حرب المتأولين ، وعليها عول الصحابة ، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة ، وإياها عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " تقتل عمار الفئة الباغية " وقوله صلى الله عليه وسلم في شأن الخوارج " يخرجون على حين فرقة من الناس تقتلهم أولى الطائفتين بالحق " والآية تدل أيضا على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان لأنه سماهم مؤمنين مع وجود البغي .

وعن علي وقد سئل عن أهل الجمل ، وصفين ، أمشركون ؟ قال : لا ، إنهم من الشرك فروا ، فقيل : أمنافقون هم ؟ قال : لا ، إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا قيل : فما حالهم ؟ قال إخواننا بغوا علينا ، وهو رضي الله تعالى عنه قدوة في قتال أهل البغي ، وعنه أنه سمع رجلا يقول في ناحية المسجد : لا حكم إلا لله فقال : كلمة حق أراد بها باطل لكم ، علينا ثلاثة : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نبدأكم بقتال .


[1523]:رواه مسلم.