فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

{ إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون( 10 ) } .

ما المؤمن للمؤمن إلا سند ، يتكاتفان ويتعاضدان ، ويقوى كل مؤمن بإخوانه ، ويعتزون بترابطهم على الحق والهدى ، وتعاونهم على البر والتقوى ، فإن وقع تنازع أو تخاصم أو تقاتل فلنسارع إلى إصلاح هذا الفساد ، وبهذا نتقي غضب الله تعالى وحلول بأسه ، فإن التنازع فشل وذهاب ريح ، والاعتصام بحبل الأخوة في دين الله منجاة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، والتقوى سبيل الفوز والفلاح تستصحب في كل أمر- فعلا أو تركا –ومن جملة ذلك الإصلاح بين المتخاصمين أم المتحاربين .

[ . . هذا الإصلاح من جملة التقوى ، فإذا فعلتم التقوى دخل فيه هذا التواصل ، ويجوز أن يكون عطفا على { فأصلحوا }أي واصلوا بين أخويكم بالصلح ، واحذروا الله تعالى من أن تتهاونوا فيه ]{[5179]} .

[ أخوة الدين أثبت من أخوة النسب ، فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين ، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب ؛ وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا{[5180]} ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا ) . وفي رواية : ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا . المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره . التقوى هاهنا- ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم . كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) لفظ مسلم ؛ وفي غير الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يعيبه ولا يخذله ولا يتطاول عليه في البنيان فيستر عليه الريح إلا بإذنه ولا يؤذيه بقتار قدره إلا أن يغرف له غرفة ولا يشتري لبنيه الفاكهة فيخرجون بها إلى صبيان جاره ولا يطعمونهم منها ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( احفظوا ولا يحفظ منكم إلا القليل ) . . وفي هذه الآية والتي قبلها دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان ، لأن الله تعالى سماهم مؤمنين مع كونهم باغين ؛ سئل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه- وهو القدوة – عن قتال أهل البغي من أهل الجمل وصفين : أمشركون هم ؟ قال : لا ! من الشرك فرّوا فقيل : أمنافقون ؟ قال : لا ! لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا ؛ قيل له : فما حالهم ؟ قال : إخواننا بغوا علينا . ]{[5181]} .


[5179]:مما أورده الألوسي.
[5180]:التحسس: الاستماع لحديث القوم وتتبع عوراتهم، تفعله بنفسك؛ والتجسس تفحص ما عند الغير وتتبع عوراته، تعهد به إلى غيرك، والتحاسد: تمني زوال النعمة من الغير؛ والتباغض: كراهية ونفور يوقعها الشيطان بين الناس..؛ والتناجش: أن تزيد في ثمن سلعة ولا رغبة لك في شرائها؛ وقيل هو تحريض الغير على الشراء.
[5181]:ما بين العارضتين أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن.