الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } في الدين ، والولاية { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } إذا اختلفا ، واقتتلا ، وقرأ ابن سيرين ، ويعقوب . بين ( اخوتكم ) ( بالتاء ) على الجمع ، وقرأ الحسن ( إخوانكم ) ( بالألف ) و( النون ) .

{ وَاتَّقُواْ اللَّهَ } فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } .

قال أبو عثمان البصري : أخوة الدّين أثبت من أخوّة النسب ، فإنّ اخوّة النسب تنقطع لمخالفة الدين ، وأُخوّة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب . وسُئل الجنيد عن الأخ ، فقال : هو أنت في الحقيقة إلاّ إنّه غيرك في الشخص . أخبرني ابن منجويه ، قال : حدّثنا عمر بن الخطّاب . قال : حدّثنا محمّد بن إسحاق المسوحي . قال : حدّثنا عمرو بن علي ، قال : حدّثنا أبو عاصم . قال : حدّثنا إسماعيل بن رافع ، عن ابن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يعيبه ، ولا يخذله ، ولا يتطاول عليه في البنيان ، فيستر عليه الريح إلاّ بإذنه ، ولا يؤذيه بقتار قدره إلاّ أن يعرف له ، ولا يشتري لبنيه الفاكهة ، فيخرجون بها إلى صبيان جاره ، ولا يطعمونهم منها " .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " احفظوا ، ولا يحفظه منكم إلاّ قليل " .

وفي هاتين الآيتين دليل على انّ البغي لا يزيل اسم الإيمان ، لأنّ الله سبحانه وتعالى سمّاهم أخوة مؤمنين مع كونهم باغين ، عاصين . يدلّ عليه ما روى الأعور أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه سُئل وهو القدوة في قتال أهل البغي ، عن أهل الجمل ، وصفّين ، أمشركون هم ؟ فقال : لا ، من الشرك فرّوا . فقيل : أهم منافقون ؟ فقال : إنّ المنافقين لا يذكرون الله إلاّ قليلاً . قيل : فما حالهم ؟ قال : إخواننا بغوا علينا .

وقد أخبرني ابن منجويه ، قال : حدّثنا ابن شنبه ، قال : حدّثنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبّار الصوفي قال : حدّثنا أبو نصر التمّار ، قال : حدّثنا كوثر ، عن نافع ، عن ابن عمر أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يا عبد الله هل تدري كيف حكم الله سبحانه فيمن بغى من هذه الأُمّة ؟ " .

قال : الله ورسوله أعلم . قال : " لا يجهز على جريحها ، ولا يقتل أسيرها ، ولا يطلب هاربها ، ولا يقسم فيئها " وسُئل محمّد بن كعب القرظي عن هاتين الآيتين ، فقال : جعل النبيّ صلى الله عليه وسلم أجر المصلح بين الناس ، كأجر المجاهد عند الناس ، وقال بكر بن عبد الله : امش ميلاً ، وعد مريضاً ، امش ميلين ، وأصلح بين اثنين ، امش ثلاثة أميال ، وزر أخاك في الله .