معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَرۡسَلۡنَا رِيحٗا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرّٗا لَّظَلُّواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ يَكۡفُرُونَ} (51)

قوله تعالى : { وهو على كل شيء قدير ولئن أرسلنا ريحا } باردة مضرة فأفسدت الزرع ، { فرأوه مصفراً } أي : رأوا النبت والزرع مصفراً بعد الخضرة ، { لظلوا } لصاروا ، { من بعده } أي : بعد اصفرار الزرع ، { يكفرون } يجحدون ما سلف من النعمة ، يعني : أنهم يفرحون عند الخصب ، ولو أرسلت عذاباً على زرعهم جحدوا سالف نعمتي .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَرۡسَلۡنَا رِيحٗا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرّٗا لَّظَلُّواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ يَكۡفُرُونَ} (51)

{ 51 - 53 } { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ * فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ }

يخبر تعالى عن حالة الخلق وأنهم مع هذه النعم عليهم بإحياء الأرض بعد موتها ونشر رحمة اللّه تعالى لو أرسلنا على هذا النبات الناشئ عن المطر وعلى زروعهم ريحا مضرة متلفة أو منقصة ، { فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا } قد تداعى إلى التلف { لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } فينسون النعم الماضية ويبادرون إلى الكفر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَرۡسَلۡنَا رِيحٗا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرّٗا لَّظَلُّواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ يَكۡفُرُونَ} (51)

وبعد أن صور - سبحانه - أحوال الناس عند رؤيته للرياح التى تثير السحب المحملة بالأمطار ، وأنهم عند رؤيتها يفرحون ويسبشرون . بعد أن صور ذلك بأسلوب بديع ، أتبع ذلك بتصوير حالهم عندما يرون ريحاً تحمل لهم الرمال والأتربة ، وتضر بمزروعاتهم فقال - تعالى - { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } .

والضمير فى " رأوه " يعود إلى النبات المفهوم من السياق . أى : هذا حال الناس عندما يرون الرياح التى تحمل لهم الأمطار ، أما إذا أرسلنا عليهم ريحاً معها الأتربة والرمال ، فرأوا نباتهم وزروعهم قد اصفرت واضمحلت وأصابها ما يضرها أو يتلفها . . فإنهم يظلون من بعد إرسال تلك الريح عليهم ، يكفرون بنعم الله ، ويجحدون آلاءه السابقة ، ويقابلون ما أرسلناه عليهم بالسخط والضيق ، لا بالاستسلام لقضائنا ، وملازمة طاعتنا .

قال الآلوسى ما ملخصه : واللام فى قوله : { وَلَئِنْ } موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط ، والفاء " فرأوه " فصيحة ، واللام فى قوله " لظلوا " لام جواب القسم الساد مسد الجوابين ، والماضى بمعنى المستقبل . . وفيما ذكر - سبحانه - من ذمهم على عدم تثبيتهم ما لا يفخى ، حيث كان من الواجب عليهم أن يتولكوا على الله - تعالى - فى كل حال ، وليجأوا إليه بالاستغفار ، إذا احتبس منهم المطر ، ولا ييأسوا من روح الله - تعالى - ويبادروا إلى الشكر بالطاعة ، إذا اصابهم برحمته ، وأن يصبروا على بلائه إذا اعترى زرعهم آفة ، فعكسوا الأمر ، وأبوا ما يجديهم ، وأتوا بما يؤذيهم . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَرۡسَلۡنَا رِيحٗا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرّٗا لَّظَلُّواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ يَكۡفُرُونَ} (51)

ثم قال تعالى : { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } ، يقول { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا } يابسة على الزرع الذي زرعوه ، ونبت وشب واستوى على سوقه ، فرأوه مصفرا ، أي : قد اصفر وشرع في الفساد ، لظلوا من بعده ، أي : بعد هذا الحال يكفرون ، أي : يجحدون ما تقدم [ إليهم ]{[22891]} من النعم ، كما قال : { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ . لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ . إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } [ الواقعة : 63 - 67 ] .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ، حدثنا هُشَيْم{[22892]} ، عن يَعْلَى بن عطاء ، عن أبيه{[22893]} عن عبد الله بن عمرو ، قال : الرياح ثمانية ، أربعة منها رحمة ، وأربعة عذاب ، فأما الرحمة فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات . وأما العذاب فالعقيم والصرصر ، وهما في البر ، والعاصف والقاصف ، وهما في البحر [ فإذا شاء سبحانه وتعالى حركه بحركة الرحمة فجعله رخاء ورحمة وبشرى بين يدي رحْمته ، ولاقحًا للسحاب تلقحه بحمله الماء ، كما يلقح الذكر الأنثى بالحمل ، وإن شاء حركه بحركة العذاب فجعله عقيمًا ، وأودعه عذابًا أليمًا ، وجعله نقمة على من يشاء من عباده ، فيجعله صرصرًا وعاتيًا ومفسدًا لما يمر عليه ، والرياح مختلفة في مهابها : صبا ودبور ، وجنوب ، وشمال ، وفي منفعتها وتأثيرها أعظم اختلاف ، فريح لينة رطبة تغذي النبات وأبدان الحيوان ، وأخرى تجففه ، وأخرى تهلكه وتعطبه ، وأخرى تسيره وتصلبه ، وأخرى توهنه وتضعفه ]{[22894]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو{[22895]} عبُيَد الله ابن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي ، حدثنا عبد الله بن عَيْاش{[22896]} ، حدثني عبد الله بن سليمان ، عن دراج ، عن عيسى بن هلال الصدَفي ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الريح مسخرة من الثانية - يعني الأرض الثانية - فلما أراد الله أن يهلك عادًا ، أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحًا تهلك عادًا ، فقال : يا رب ، أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور . قال له الجبار تبارك وتعالى : لا إذًا تكفأ الأرض وما عليها ، ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم " ، فهي التي قال الله في كتابه : { مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ }{[22897]} [ الذرايات : 42 ] . هذا حديث غريب ، ورفعه منكر . والأظهر أنه من كلام عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنه .


[22891]:- زيادة من أ.
[22892]:- في أ: "هاشم".
[22893]:- في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
[22894]:- زيادة من ت.
[22895]:- في أ: "ابن".
[22896]:- في أ: "عباس".
[22897]:- سيأتي تخريج الحديث عند تفسير الآية: 42 من سورة الذاريات.