معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

قوله تعالى : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } ، أي : وما من أهل الكتاب إلا ليؤمن بعيسى عليه السلام ، هذا قول أكثر المفسرين وأهل العلم ، وقوله { قبل موته } اختلفوا في هذه الكناية ، فقال عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، والسدي : إنها كناية عن الكتابي ، ومعناه : وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بعيسى عليه السلام قبل موته ، إذا وقع في البأس حين لا ينفعه إيمانه ، سواء احترق ، أو غرق ، أو تردى في بئر ، أو سقط عليه جدار ، أو أكله سبع ، أو مات فجأة ، وهذه رواية عن بن طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهم قال : فقيل لابن عباس رضي الله عنهما : أرأيت إن خر من فوق بيت ؟ قال : يتكلم به في الهواء ، قال : فقيل أرأيت إن ضرب عنق أحدهم ؟ قال : يتلجلج به لسانه . وذهب قومً إلى أن الهاء في موته كناية عن عيسى عليه السلام ، معناه : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى عليه السلام ، وذلك عند نزوله من السماء في آخر الزمان ، فلا يبقى أحد إلا آمن به ، حتى تكون الملة واحدة ، ملة الإسلام .

وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً ، يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال ، حتى لا يقبله أحد ، ويهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويقتل الدجال ، فيمكث في الأرض أربعين سنة . ثم يتوفى ، ويصلي عليه المسلمون .

وقال أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } ، قبل موت عيسى ابن مريم ، ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات . وروي عن عكرمة : أن الهاء في قوله { ليؤمنن به } كناية عن محمد صلى الله عليه وسلم يقول : لا يموت كتابي حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : هي راجعة إلى الله عز وجل ، يقول : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بالله عز وجل ، قبل موته عند المعاينة حين لا ينفعه إيمانه .

قوله تعالى : { ويوم القيامة يكون } ، يعني : عيسى عليه السلام .

قوله تعالى : { عليهم شهيداً } أنه قد بلغهم رسالة ربه ، وأقر بالعبودية على نفسه ، كما قال تعالى مخبراً عنه { وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم } [ المائدة :117 ] وكل نبي شاهد على أمته ، قال الله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [ النساء :41 ] .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

وقوله : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } يحتمل أن الضمير هنا في قوله : { قَبْلَ مَوْتِهِ } يعود إلى أهل الكتاب ، فيكون على هذا كل كتابي يحضره الموت ويعاين الأمر حقيقة ، فإنه يؤمن بعيسى عليه السلام ولكنه إيمان لا ينفع ، إيمان اضطرار ، فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد ، وأن لا يستمروا على هذه الحال التي سيندمون عليها قبل مماتهم ، فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم ؟ "

ويحتمل أن الضمير في قوله : { قَبْلَ مَوْتِهِ } راجع إلى عيسى عليه السلام ، فيكون المعنى : وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بالمسيح عليه السلام قبل موت المسيح ، وذلك يكون عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار .

فإنه تكاثرت الأحاديث الصحيحة في نزوله عليه السلام في آخر هذه الأمة . يقتل الدجال ، ويضع الجزية ، ويؤمن به أهل الكتاب مع المؤمنين . ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا ، يشهد عليهم بأعمالهم ، وهل هي موافقة لشرع الله أم لا ؟

وحينئذ لا يشهد إلا ببطلان كل ما هم عليه ، مما هو مخالف لشريعة القرآن وَلِمَا دعاهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم ، علمنا بذلك ، لِعِلْمِنَا بكمال عدالة المسيح عليه السلام وصدقه ، وأنه لا يشهد إلا بالحق ، إلا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وما عداه فهو ضلال وباطل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

و { إِن } هنا نافية بمعنى ما النافية ، والمخبر عنه محذوف قامت صفته مقامه .

أى : وما أحد من أهل الكتاب . وحذف أحد لأنه ملحوظ فى كل نفى يدخله الاستثناء . نحو : ما قام إلا زيد . أى ما قام أحد إلا زيد .

وللمفسرين فى تفسير هذه الآية اتجاهان :

الأول : أن الضمير فى قوله { قَبْلَ مَوْتِهِ } يعود إلى عيسى - عليه السلام - وعليه يكون المعنى : وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمن بعيسى - عند نزوله فى آخر الزمان - حق الإِيمان ، { قَبْلَ مَوْتِهِ } أى : قيل موت عيسى ، { وَيَوْمَ القيامة يَكُونُ } عيسى - عليه السلام - { عَلَيْهِمْ } أى : على أهل الكتاب { شَهِيداً } فيشهد عليهم بأنه قد أمرهم بعباده الله وحده ، وأنه قد نهاهم عن الإِشراك معه آلهة أخرى .

وقد انتصر لهذا الاتجاه كثير من المفسرين وعلى رأسهم شيخهم ابن جرير . فقد قال - بعد سرد الأقوال فى الآية - : وأولى الأقوال بالصحة والصواب قول من قال . تأويل ذلك : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى .

وقد علق ابن كثير على ما رجحه ابن جرير بقوله : ولا شك أن الذى قاله ابن جرير هو الصحيح . لأن المقصود من سياق الآيات ، بطلان ما زعمته اليهود من قتل عيسى وصلبه ، وبطلان تسليم من سلم لهم من النصارى الجهالة ذلك . فقد أخبر الله - تعالى أن الأمر لم يكن كذلك ، وإنما شبه لهم فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك . ثم إن الله - تعالى - رفع إليه عيسى ، وإنه باق حى ، وإنه سينزل قبل يوم القيامة .

ثم عقد ابن كثير فصلا عنونه بقوله : ذكر الأحاديث الواردة فى نزول عيسى بن مريم إلى الأرض من السماء فى آخر الزمان قبل يوم القيامة وأنه يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك به .

ثم ساق ابن كثير جملة من الأحاديث فى هذا المعنى منها ما رواه الشيخان عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، وحتى تكون السجدة خيرا له من الدنيا وما فيها " .

ثم يقول أبو هريرة : اقرؤا إن شئتم : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } .

أما الاتجاه الثانى : فيرى أصحابه أن الضمير فى قوله { قَبْلَ مَوْتِهِ } يعود إلى الكتابى المدلول عليه بقوله : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب } وعليه يكون المعنى :

وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موته أى قبل موت هذا الكتابى ، لأنه عند ساعة الاحتضار يتجلى له الحق ، ويتبين له صحة ما كان ينكره ويجحده فيؤمن بعيسى - عليه السلام - ويشهد بأنه عبد الله ورسوله ، وأن الله واحد لا شريك له ، ولكن هذا الإِيمان لا ينفعه ، لأنه جاء فى وقت الغرغرة ، وهو وقت لا ينفع فيه الإِيمان ، لانقطاع التكلي فيه .

قالوا : ويؤيد هذا التأويل قراءة أبى : { إلا ليؤمنن به قبل موتهم } - بضم النون وبميم الجمع - .

وقد صدر صاحب الكشاف كلامه بذكر هذا التأويل فقال ما ملخصه : والمعنى : وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى . وبأنه عبد الله ورسوله . يعنى : إذا عاين قبل أن تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه .

فإن قلت : ما فائدة الإِخبار بعيسى قبل موتهم ؟ قلت فائدته الوعدي ، وليكون عملهم بأنهم لا بد لهم من الإِيمان به عن قريب عند المعاينة ، وأن ذلك لا ينفعهم ، بعثا لهم وتنبيها على معاجلة الإِيمان به فى وقت الانتفاع به ، وليكون إلزاما للحجة لهم .

وقيل : الضميران لعيسى بمعنى : وإن منهم أحد إلا ليؤمننن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون فى زمان نزوله .

والذى نراه أولى أنه لا تعارض بين التأويلين . فإن كلا منهما حق فى ذاته .

فكل كتابى عندما تحضره الوفاة يعلم أن عيسى كان صادقا فى نبوته ، وأنه عبد الله ، وأنه قد دعا الناس إلى عبادة الله وحده . وكذلك كل كتابى يشهد نزول عيسى فى آخر الزمان سيؤمن به ويتبعه ويشهد بأنه صادق فيما بلغه عن ربه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

148

ونعود من هذا الاستطراد ، مع عودة السياق القرآني إلى بقية هذا الاستدراك :

( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ؛ ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا ) .

وقد اختلف السلف في مدلول هذه الآية ، باختلافهم في عائد الضمير في " موته " فقال جماعة : وما من أهل الكتاب من أحد إلا يؤمن بعيسى - عليه السلام - قبل موته - أي عيسى - وذلك على القول بنزوله قبيل الساعة . . وقال جماعة وما من أهل الكتاب من أحد إلا يؤمن بعيسى قبل موته . . أي موت الكتابي - وذلك على القول بأن الميت - وهو في سكرات الموت - يتبين له الحق ، حيث لا ينفعه أن يعلم !

ونحن أميل إلى هذا القول الثاني ؛ الذي ترشح له قراءة أبى : " إلا ليؤمنن به قبل موتهم " . . فهذه القراءة تشير إلى عائد الضمير ؛ وأنه أهل الكتاب . . وعلى هذا الوجه يكون المعنى : أن اليهود الذين كفروا بعيسى - عليه السلام - وما زالوا على كفرهم به ، وقالوا : إنهم قتلوه وصلبوه ، ما من أحد منهم يدركه الموت ، حتى تكشف له الحقيقة عند حشرجة الروح ، فيرى أن عيسى حق ، ورسالته حق ، فيؤمن به ، ولكن حين لا ينفعه إيمان . . ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

وقوله تعالى : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } اختلف المتأولون في معنى الآية فقال ابن عباس وأبو مالك والحسن بن أبي الحسن وغيرهم : الضمير في { موته } راجع إلى عيسى ، والمعنى أنه لا يبقى من أهل الكتاب أحد إذا نزل عيسى إلى الأرض إلا يؤمن بعيسى كما يؤمن سائر البشر ، وترجع الأديان كلها واحداً ، وقال مجاهد وابن عباس أيضاً وغيرهما : الضمير في { به } لعيسى وفي { موته } للكتابي الذي تضمنه قوله { وإن من أهل الكتاب } التقدير : وإن من أهل الكتاب أحد{[4368]} ، قالوا : وليس يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى روح الله ، ويعلم أنه نبي ولكن عند المعاينة للموت ، فهو إيمان لا ينفعه ، كما لم ينفع فرعون إيمانه عند المعاينة ، وقال هذا القول عكرمة والضحاك والحسن بن أبي الحسن أيضاً ، وقال عكرمة أيضاً : الضمير في { به } لمحمد عليه السلام ، و { قبل موته } للكتابي ، قال : وليس يخرج يهودي ولا نصراني من الدنيا حتى يؤمن بمحمد ، ولو غرق أو سقط عليه جدار فإنه يؤمن في ذلك الوقت ، وفي مصحف أبي بن كعب «قبل موتهم » ففي هذه القراءة تقوية لعود الضمير على الكتابي ، وقرأ الفياض بن غزوان «وإنّ من أهل الكتاب » بتشديد «إن » والضمير المستتر في يكون هو لعيسى عليه السلام في جل الأقوال ، ولمحمد عليه السلام في قول عكرمة .


[4368]:- هذا هو تقدير سيبويه للآية، أما الكوفيون فيقدرونها: وإن من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن به، قالوا: وفيه قبح، لأن فيه حذف الموصول، والصلة بعض الموصول فكأن فيه حذف بعض الاسم، هذا ومثل هذه الآية آيات أخرى كثيرة، منها قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها}، وقوله تعالى: {وما منا إلا له مقام معلوم}، والتقدير فيهما: وما أحد منكم إلا واردها، وما أحد منا إلا له مقام معلوم.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

عطف على جملة { وما قتلوه } [ النساء : 157 ] . وهذا الكلام إخبار عنهم ، وليس أمراً لهم ، لأنّ وقوع لام الابتداء فيه ينادي على الخبرية . و { إن } نافية و { من أهل الكتاب } صفة لموصوف محذوف تقديره : أحد .

والضمير المجرور عائد لعيسى : أيّ ليومنَنّ بعيسى ، والضمير في { موته } يحتمل أن يعود إلى أحد أهل الكتاب ، أي قبل أن يموت الكتابيّ ، ويؤيّده قراءة أبَي بن كعب { إلا ليؤمنن به قبل موته } . وأهل الكتاب يطلق على اليهود والنّصارى ؛ فأمّا النصارى فهم مؤمنون بعيسى من قبل ، فيتعيّن أن يكون المراد بأهل الكتاب اليهود . والمعنى أنّ اليهود مع شدّة كفرهم بعيسى لا يموت أحد منهم إلاّ وهو يؤمن بنبوّته قبل موته ، أي ينكشف له ذلك عند الاحْتضار قبل انزهاق روحه ، وهذه منّة مَنّ الله بها على عيسى ، إذ جعل أعداءه لا يخرجون من الدنيا إلاّ وقد آمنوا به جزاء له على ما لقي من تكذيبهم ، لأنّه لم يتمتّع بمشاهدة أمّةٍ تتبعه . وقيل : كذلك النصرانيّ عند موته ينكشف له أنّ عيسى عبد الله .

وعندي أنّ ضمير { به } راجع إلى الرفع المأخوذ من فعل { رفعه الله إليه } [ النساء : 158 ] ، ويعمّ قولُه { أهلِ الكتاب } اليهودَ ، والنّصارى ، حيث استووا مع اليهود في اعتقاد وقوع الصلب .

والظاهر أنّ الله يقذف في نفوس أهل الكتابين الشكّ في صحّة الصلب ، فلا يزال الشكّ يخالج قلوبهم ويقوَى حتّى يبلغ مبلغ العلم بعدم صحّة الصلب في آخر أعمارهم تصديقاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حيث كذّب أخبارهم فنفَى الصلبَ عن عيسى عليه السلام .

وقيل : الضمير في قوله { موته } عائد إلى عيسى ، أي قبل موت عيسى ، ففرّع القائلون بهذا تفاريع : منها أنّ موته لا يقع إلاّ آخر الدنيا ليتمّ إيمان جميع أهل الكتاب به قبل وقوع الموت ، لأنّ الله جعل إيمانهم مستقبلاً وجعله قبل موته ، فلزم أن يكون موته مستقبلاً ؛ ومنها ما ورد في الحديث : أنّ عيسى عليه السلام ينزل في آخر مدّة الدنيا ليؤمن به أهل الكتاب ، ولا يخفى أنّ عموم قوله : { وإن من أهل الكتاب } يبطل هذا التفسير : لأنّ الَّذين يؤمنون به على حسب هذا التأويل هم الذين سيوجدون من أهل الكتاب لا جميعهم .

والشهيد : الشاهد ؛ يشهد بأنّه بلّغ لهم دعوة ربّهم فأعرضوا ، وبأنّ النّصَارى بدّلوا ، ومعنى الآية مفصّل في قوله تعالى : { يوم يجمع الله الرسل } الآيَات في سورة العقود ( 109 ) .