غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

153

ثم قال : { وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته } فقوله : { إلاّ ليؤمنن به } جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف " وإن " هي النافية . التقدير : وما من أهل الكتاب أحد إلاّ ليؤمنن به كقوله :{ وما منا إلاّ له مقام معلوم }[ الصافات :164 ] والضمير في { به } عائد إلى عيسى ، وفي { موته } إلى أحد . عن شهر بن حوشب قال لي الحجاج : آية ما قرأتها إلاّ تخالج في نفسي شيء منها يعني هذه الآية وقال : إني أوتي بالأسير من اليهود والنصارى فأضرب عنقه فلا أسمع منه ذلك . فقلت : إن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة دبره ووجهه وقالوا : يا عدوّ الله أتاك عيسى نبياً فكذبت به فيقول : آمنت أنه عبد نبي . وتقول للنصراني : أتاك عيسى نبياً فزعمت أنه الله أو ابن الله فيؤمن به ويقول : إنه عبد الله ورسوله حيث لا ينفعه إيمانه . قال : وكان متكئاً فاستوى جالساً فنظر إليّ وقال : ممن قلت ؟ قلت : حدثني محمد بن علي ابن الحنفية فأخذ ينكت الأرض بقضيبه ثم قال : لقد أخذتها من عين صافية أو من معدنها . وعن ابن عباس أنه فسره كذلك فقال له عكرمة : فإن أتاه رجل فضرب عنقه ؟ قال : لا تخرج نفسه حتى يحرك بها شفتيه . قال : وإن خر من فوق بيت أو احترق أو أكله سبع ؟ قال : يتكلم بها في الهواء ولا تخرج روحه حتى يؤمن به . وفائدة هذا الإخبار الوعيد وإلزام الحجة والبعث على معاجلة الإيمان به في أوان الانتفاع ، لأنه إذا لم يكن بد من الإيمان به فلأن يؤمنوا به حال التكليف ليقع معتداً به أولى . وقيل : الضميران في { به } وفي { موته } لعيسى والمراد بأهل الكتاب الذين يكونون في زمان نزوله . روي أنه ينزل من السماء في آخر الزمان فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام ، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال وتقع الأمنة حتى ترتع الأسود والنمور مع الإبل والبقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيات ، ويلبث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه . قال بعض المتكلمين : ينبغي أن يكون هذا عند ارتفاع التكاليف أو بحيث لا يعرف إذ لو نزل مع بقاء التكليف على وجه يعرف أنه عيسى . فأما أن يكون نبياً - ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم - أو غير نبي وعزل الأنبياء لا يجوز .

وأجيب بأنه كان نبياً إلى مبعث محمد صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك انتهت مدة نبوته فلا يلزم عزله فلا يبعد أن يصير بعد نزوله تبعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم . قال في الكشاف : ويجوز أن يراد أنه لا يبقى أحد من جميع أهل الكتاب إلاّ ليؤمنن به على أن الله تعالى يحييهم في قبورهم في ذلك الزمان ويعلمهم نزوله وما أنزل له ويؤمنون به حين لا ينفعهم إيمانهم . وقيل : الضمير في { به } يرجع إلى الله تعالى وقيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم { ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً } يشهد على اليهود بأنهم كذبوه وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله وكذلك كل نبي شاهد على أمته .

/خ169