بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

وقوله عز وجل :

{ وَإِن مّنْ أَهْلِ الكتاب } يقول : وما من أهل الكتاب { إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ } يعني بعيسى عليه السلام { قَبْلَ مَوْتِهِ } وذلك أن اليهودي إذا حضرته الوفاة وعاين أمر الآخرة ضربته الملائكة ، وقالت له : يا عدو الله أتاك عزير فكذبته ، ويقال للنصراني : يا عدو الله أتاك عبد الله ورسوله ، وهو عيسى ، فزعمت أنه ابن الله ، فيؤمن عند ذلك ويقر أنه عبد الله ورسوله ، ولا ينفعه إيمانه في ذلك الوقت ، ويكون إيمانهم عليهم شهيداً يوم القيامة . وروي عن مجاهد أنه قال : ما من أحد من أهل الكتاب إلا ويؤمن بعيسى عليه السلام قبل موته ، فقيل له : وإن غرق أو احترق أو أكله السبع يؤمن بعيسى عليه السلام ؟ فقال : نعم . وروي أن الحجاج بن يوسف سأل شهر بن حوشب عن هذه الآية فقال إني لأوتى بالأسير من اليهود والنصارى ، فآمر بضرب عنقه ، وأنظر إليه في ذلك الوقت فلا أرى منه الإيمان ، فقال له شهر بن حوشب : إنه حين يعاين أمر الآخرة يقر بأن عيسى عبد الله ورسوله فيؤمن به ولا ينفعه . فقال له الحجاج : من أين أخذت هذا ؟ قال : أخذته من محمد بن الحنفية . فقال له الحجاج : لقد أخذت من عين صافية . وروي عن سعيد بن جبير أنه قال : { قَبْلَ مَوْتِهِ } يعني قبل موت عيسى عليه السلام هكذا قال الحسن .

قال الفقيه : حدّثنا عمر بن محمد ، قال : حدّثنا أبو بكر الواسطي ، قال : حدّثنا إبراهيم بن يوسف ، قال : حدّثنا يزيد بن زريع ، عن رجل ، عن الحسن في قوله : { وَإِن مّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } قال : قبل موت عيسى ، والله إنه لحي عند الله الآن ، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون . وروي عن ابن عباس أنه قال : يمكث عيسى عليه السلام في الأرض أربعين سنة نبياً إماماً مهدياً ، ثم يموت وتصلي عليه هذه الأمة . وقال الضحاك : يهبط عيسى عليه السلام من السماء إلى الأرض بعد خروج الدجال ، فيكون هبوطه على صخرة بيت المقدس ، ثم يقتل الدجال ، ويكسر الصليب ، ويهدم البيع والكنائس ، ولا يبقى على وجه الأرض يهودي ولا نصراني إلا آمن بالمسيح ودخل في الإسلام .

ثم قال تعالى : { وَيَوْمَ القيامة يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } يعني يكون عليهم عيسى عليه السلام شهيداً ، بأنه قد بلغهم الرسالة .