الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

{ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ } جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف تقديره : وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمننّ به . ونحوه : { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [ مريم : 71 ] والمعنى : وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمننّ قبل موته بعيسى ، وبأنه عبد الله ورسوله ، يعني : إذا عاين قبل أن تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه لانقطاع وقت التكليف . وعن شهر بن حوشب : قال لي الحجاج : آية ما قرأتها إلا تخالج في نفسي شيء منها يعني هذه الآية ، وقال : إني أوتى بالأسير من اليهود والنصارى فأضرب عنقه فلا أسمع منه ذلك ، فقلت : إن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة دبره ووجهه وقالوا : يا عدوّ الله ، أتاك موسى نبياً فكذبت به فيقول : آمنت أنه عبد نبيّ . وتقول للنصراني : أتاك عيسى نبياً فزعمت أنه الله أو ابن الله ، فيؤمن أنه عبد الله ورسوله حيث لا ينفعه إيمانه . قال : وكان متكئاً فاستوى جالساً فنظر إليّ وقال : ممن ؟ قلت : حدثني محمد بن عليّ ابن الحنفية ، فأخذ ينكت الأرض بقضيبه ثم قال : لقد أخذتها من عين صافية ، أو من معدنها . قال الكلبي : فقلت له : ما أردت إلى أن تقول حدثني محمد بن عليّ ابن الحنفية . قال : أردت أن أغيظه ، يعني بزيادة اسم عليّ ، لأنه مشهور بابن الحنفية . وعن ابن عباس أنه فسره كذلك ، فقال له عكرمة : فإن أتاه رجل فضرب عنقه قال : لا تخرج نفسه حتى يحرّك بها شفتيه . قال : وإن خرّ من فوق بيت أو احترق أو أكله سبع قال : يتكلم بها في الهواء ولا تخرج روحه حتى يؤمن به . وتدل عليه قراءة أبيّ : «إلا ليؤمننّ به قبل موتهم » بضم النون على معنى : وإن منهم أحد إلا سيؤمنون به قبل موتهم ، لأنّ أحداً يصلح للجمع .

فإن قلت : ما فائدة الإخبار بإيمانهم بعيسى قبل موتهم ؟ قلت : فائدته الوعيد ، وليكون علمهم بأنهم لا بدّ لهم من الإيمان به عن قريب عند المعاينة ، وأن ذلك لا ينفعهم ، بعثاً لهم وتنبيهاً على معالجة الإيمان به في أوان الانتفاع به ، وليكون إلزاماً للحجة لهم ، وكذلك قولهُ : { وَيَوْمَ القيامة يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } يشهد على اليهود بأنهم كذبوه ، وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله . وقيل : الضميران لعيسى ، بمعنى : وإن منهم أحد إلا ليؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى ، وهم أهل الكتاب الذين يكونون في زمان نزوله . روي :

« أنه ينزل من السماء في آخر الزمان ، فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به ، حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام ، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال ، وتقع الأمنة حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمور مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيات ، ويلبث في الأرض أربعين سنة ، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه » ويجوز أن يراد أنه لا يبقى أحد من جميع أهل الكتاب إلا ليؤمننّ به ، على أن الله يحييهم في قبورهم في ذلك الزمان ، ويعلمهم نزوله وما أنزل له ، ويؤمنون به حين لا ينفعهم إيمانهم . وقيل : الضمير في ( به ) يرجع إلى الله تعالى . وقيل : إلى محمد صلى الله عليه وسلم .