الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا} (159)

قوله : ( وَإِن مِّنَ اَهْلِ الكِتَابِ إِلاَّ لَيُومِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ . . . ) الآية [ 159 ] .

التقدير عند سيبويه ، ( وإن من أهل الكتاب أحد )( {[14021]} ) .

وعند الكوفيين ( وإن من أهل الكتاب إلا ( من )( {[14022]} ) ليؤمنن [ به ] )( {[14023]} ) حذفوا الموصول وهو قبيح( {[14024]} ) .

وسيبويه إنما قدر حذف الموصوف( {[14025]} ) ، وإقامة الصفة مقامه ، وذلك كثير في القرآن والكلام ، قال الله : ( أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ )( {[14026]} ) أي : دروع سابغات فحذف الموصوف( {[14027]} ) ، فقول سيبويه أحسن واختيار جيد .

وحذف الموصول وإقامة الصلة مقامه على قول الكوفيين غير جائز ولا موجود لأن الصلة كبعض الموصول ، ولا يحسن حذف بعض الاسم ، ولأن الصلة لابد منها( {[14028]} ) للموصول وليس الصفة كذلك فقد يستغنى عنها( {[14029]} ) .

والمعنى : إنهم كلهم يؤمنون بعيسى إذا نزل لقتل الدجال ، فتصير الأمم كلها واحدة ملة الإسلام ، كذلك قال ابن عباس ، والحسن وقتادة( {[14030]} ) .

قال ابن زيد : إذا نزل عيسى لقتل الدجال لم يبق يهودي إلا آمن ، وذلك حين لا ينفعهم إيمانهم( {[14031]} ) ، فالهاء( {[14032]} ) في " به " يعود على عيسى صلى الله عليه وسلم في هذين القولين .

وروى عن ابن عباس أنه قال : ليس من أهل [ الكتاب ]( {[14033]} ) أحد إلا يؤمن بعيسى قبل موته " أي موت الكتابي إذا عاين الحق " ( {[14034]} ) .

وقال( {[14035]} ) [ مجاهد ] : لا( {[14036]} ) تخرج نفس الكتابي حتى يؤمن بعيسى قال وإن غرق ، وإن تردى( {[14037]} ) من حائط لابد أن يؤمن بعيسى( {[14038]} ) .

وقد قرأ أُبي : " قبل موتهم " فهذا يدل على أنها لأهل الكتاب وهو قول أكثر المفسرين( {[14039]} ) .

وقال ابن عباس : " لا يموت اليهودي حتى يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله ، وإن عجل عليه بالسلاح( {[14040]} ) .

وقال عكرمة : لو وقع( {[14041]} ) يهودي من فوق القصر لم يبلغ الأرض حتى يؤمن بعيسى ، فالهاء تعود على الكتابي( {[14042]} ) على هذه الأقوال ويجوز أن تكون لعيسى .

وروي عن عكرمة أيضاً ، لا يموت اليهودي والنصراني حتى يؤمن بمحمد عليه السلام( {[14043]} ) . فالهاء في " به " تعود على محمد صلى الله عليه وسلم( {[14044]} ) .

وفي حرف أُبي ومصحفه " قبل موتهم " يعني : أهل الكتاب( {[14045]} ) .

واختار الطبري أن تكون لعيسى( {[14046]} ) ، وأن يكون المعنى ليس أحد من أهل الكتاب الحاضرين عند نزول عيسى إلا ليؤمن بعيسى قبل موت عيسى عليه السلام( {[14047]} ) .

وروى أن أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الأنبياء أخوات لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ، لأنه لم يكن بينه وبيني نبي ، وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه ، فإنه رجل مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض ، سبط الشعر ، كأن رأسه يقطر ، وإن لم يصبه بلل ، بين ممصرتين ، فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال ويقاتل الناس على الإسلام حتى يُهلك الله عز وجل في زمانه الملل كلها غير الإسلام ، ويُهلك الله في زمانه المسيح الكذاب الدجاب وتقع الأمنة في زمانه حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الغلمان والصبيان بالحيات ، لا يضر بعضهم بعضاً ، ثم يلبث في الأرض ما شاء ا لله –وربما قال- أربعين سنة ، ثم يتوفى ، ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه( {[14048]} ) .

قوله : ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) أي : شاهداً على تكذيب من كذبه ، وتصديق من صدقه ، وأنه بلغ الرسالة وأقر بالعبودية .


[14021]:- (ج): أخذ، انظر: الكتاب 2/345.
[14022]:- ساقط من (ج) (د).
[14023]:- ساقط من (أ).
[14024]:- انظر: إعراب النحاس 1/469، والإنصاف 2/727.
[14025]:- (د): حذف حزب الموصل قبيل الموصل.
[14026]:- سبأ آية 11.
[14027]:- انظر: إعراب النحاس 3/334.
[14028]:- (أ): لابد بها عن.
[14029]:- ذهب الكوفيون والأخفش إلى جواز حذف الموصول، وإقامة الصلة مكانه، وتبعهم، ابن مالك، وشرط الحذف أن يكون معطوفاً على موصول آخر. انظر: الإنصاف 2/722. والمغني لابن هشام: 692، وفتح الجليل: 53.
[14030]:- انظر: جامع البيان 6/18-19، والدر المنثور 2/733-734.
[14031]:- انظر: المصدر السابق.
[14032]:- جاء التفسير في هاء: به، وموته على وجهين: (أ) أتكون الهاء في به، لعيسى يقول: يؤمنون إذا نزل قبل موته، وتكون الملة واحدة. (ب) أن تكون الهاء في موته تعود على الكتاب، ويقال يؤمن كل يهودي بعيسى عند موته، وتحقيق هذا في قراءة أُبي. انظر: معاني الفراء 1/294، وإعراب النحاس 1/469.
[14033]:- ساقط من (أ).
[14034]:- انظر: جامع البيان 6/19.
[14035]:- (د): وقاله.
[14036]:- ساقط من (أ).
[14037]:- (د): ترد.
[14038]:- انظر: تفسير سفين: 98، وجامع البيان 6/20.
[14039]:- معاني الفراء 1/295، وجامع البيان 6/20.
[14040]:- انظر: جامع البيان 6/20.
[14041]:- (د): توق.
[14042]:- انظر: المصدر السابق.
[14043]:- انظر: جامع البيان 6/20.
[14044]:- انظر: معاني الزجاج 2/130.
[14045]:- هذا تكرار أغنى عنه ما تقدم.
[14046]:- انظر: جامع البيان 6/21-22.
[14047]:- كذا... وفي العبارة ضعف.
[14048]:- انظر: تخريجه في المسند لأحمد –بتحقيق شاكر 2/406 و438. وأبو داود في كتاب السنة 4/319، وجامع البيان 6/22 والدر المنثور 2/736، [بل خرجه البخاري (3258 و3259) ومسلم في فضائل عيسى عليه السلام (2365) مختصراً، كما أخرجه الإمام أحمد مطولاً (9259) ومختصراً [المدقق].