{ 76 } { فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }
أي : فلا يحزنك يا أيها الرسول ، قول المكذبين ، والمراد بالقول : ما دل عليه السياق ، كل قول يقدحون فيه في الرسول ، أو فيما جاء به .
أي : فلا تشغل قلبك بالحزن عليهم { إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }
والفاء فى قوله - تعالى - : { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } للإِفصاح . أى : إذا كان حال هؤلاء المشركين كما ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم من الجهالة والغفلة ، فأعرض عنهم ، ولا تحزن عليهم ، ولا تبال بأقوالهم .
وقوله - سبحانه - : { إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } تعليل للنهى عن الحزن بسبب أقوالهم . أى لا تحزن - أيها الرسول الكريم - بسبب أقوالهم الباطلة ، فإنا نعلم علماً تاماً ما يسرونه من حقد عليك ، وما يعلنونه من أعمال قبيحة ، وسنعاقبهم على كل ذلك العقاب الذى يستحقونه .
فالآية الكريمة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما كان يلقاه من هؤلاء المشركين .
( فلا يحزنك قولهم . إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ) .
الخطاب للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وهو يواجه أولئك الذين اتخذوا من دون الله آلهة . والذين لا يشكرون ولا يذكرون . ليطمئن بالاً من ناحيتهم . فهم مكشوفون لعلم الله . وكل ما يدبرونه وما يملكونه تحت عينه . فلا على الرسول منهم . وأمرهم مكشوف للقدرة القادرة . والله من ورائهم محيط . .
ولقد هان أمرهم بهذا . وما عاد لهم من خطر يحسه مؤمن يعتمد على الله . وهو يعلم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون . وأنهم في قبضته وتحت عينه وهم لا يشعرون !
وقوله : { فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ } أي : تكذيبهم لك{[24866]} وكفرهم بالله ، { إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } أي : نحن نعلم جميع ما هم عليه ، وسنجزيهم وصْفَهم ونعاملهم{[24867]} على ذلك ، يوم لا يفقدون من أعمالهم جليلا ولا حقيرًا ، ولا صغيرًا ولا كبيرًا ، بل يعرض عليهم جميع ما كانوا يعملون قديمًا وحديثًا .
{ فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } .
فرّع على قوله : { واتَّخذوا من دُوننِ الله ءَالِهَةً } [ يس : 74 ] صرفُ أن تحزن أقوالهم النبي صلى الله عليه وسلم أي تحذيره من أن يحزِن لأقوالهم فيه فإنهم قالوا في شأن الله ما هو أفظع .
و { قولهم } من إضافة اسم الجنس فيعم ، أي فلا تحزنك أقوالهم في الإِشراك وإنكار البعث والتكذيب والأذى للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ، ولذلك حذف المقول ، أي لا يحزنك قولهم الذي من شأنه أن يحزنك .
والنهي عن الحزن نهي عن سببه وهو اشتغال بال الرسول بإعراضهم عن قبول الدين الحق ، وهو يستلزم الأمر بالأسباب الصارفة للحزن عن نفسه من التسلّي بعناية الله تعالى وعقابه من ناووه وعادوه .
{ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وما يعلنون } .
والخبر كناية عن مؤاخذتهم بما يقولون ، أي إنا محصون عليهم أقوالهم وما تسرّه أنفسهم مما لا يجهرون به فنؤاخذهم بذلك كله بما يكافئه من عقابهم ونصرِك عليهم ونحو ذلك . وفي قوله : { ما يُسِرُّونَ وما يُعلنون } تعميم لجعل التعليل تذييلاً أيضاً .
و« إنّ » مغنية عن فاء التسبب في مقام ورودها لمجرد الاهتمام بالتأكيد المخبر بالجملة ليست مستأنفة ولكنها مترتبة .
وقرأ نافع { يُحزِنكَ } بضم الياء وكسر الزاي من أحزنه إذا أدخل عليه حزناً . وقرأه الباقون بفتح الياء وضم الزاي من حَزَنه بفتح الزاي بمعنى أحزنه وهما بمعنى واحد .
وقدم الإِسرار للاهتمام به لأنه أشدّ دلالة على إحاطة علم الله بأحوالهم ، وذكر بعده الإِعلان لأنه محل الخبر ، وللدلالة على استيعاب علم الله تعالى بجزئيات الأمور وكلياتها .
والوقف عند قوله : { ولا يحزنك قولهم } مع الابتداء بقوله : { إنَّا نعلم } أَحسنُ من الوصل لأنه أوضح للمعنى ، وليس بمتعيّن إذ لا يخطر ببال سامع أنهم يقولون : إن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ، ولو قالوه لما كان مما يحزن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف ينهى عن الحزن منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.