الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَلَا يَحۡزُنكَ قَوۡلُهُمۡۘ إِنَّا نَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَ} (76)

وقرىء : «فلا يحزنك » بفتح الياء وضمها ، من حزنه أحزنه . والمعنى : فلا يهمنك تكذيبهم وأذاهم وجفاؤهم ، فإنا عالمون بما يسرون لك من عداوتهم { وَمَا يُعْلِنُونَ } وإنا مجاوزهم عليه ، فحقّ مثلك أن يتسلى بهذا الوعيد ويستحضر في نفسه صورة حاله وحالهم في الآخرة حتى ينقشع عنه الهمّ ولا يرهقه الحزن .

فإن قلت : ما تقول فيمن يقول : إن قرأ قارىء : «أنا نعلم » بالفتح : انتقضت صلاته ، وإن اعتقد ما يعطيه من المعنى : كفر ؟ قلت : فيه وجهان ، أحدهما : أن يكون على حذف لام التعليل ، وهو كثير في القرآن وفي الشعر ، وفي كل كلام وقياس مطرد ، وهذا معناه ومعنى الكسر سواء . وعليه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ الحمد والنعمة لك " ، كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي ، وكلاهما تعليل . والثاني : أن يكون بدلاً من { قَوْلُهُمْ } كأنه قيل : فلا يحزنك ، أنا نعلم ما يسرون وما يعلنون . وهذا المعنى قائم مع المكسورة إذا جعلتها مفعولة للقول ، فقد تبين أن تعلق الحزن بكون الله عالماً وعدم تعلقه لا يدوران على كسر إن وفتحها ، وأنما يدوران على تقديرك ، فتفصل إن فتحت بأن تقدّر معنى التعليل ولا تقدّر البدل ، كما أن تفصل بتقدير معنى التعليل إذا كسرت ولا تقدّر معنى المفعولية ، ثم إن قدّرته كاسراً أو فاتحاً على ما عظم فيه الخطب ذلك القائل ، فما فيه إلا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن على كون الله عالماً بسرهم وعلانيتهم ، وليس النهي عن ذلك مما يوجب شيئاً ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً للكافرين } [ القصص : 86 ] ، { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين } [ القصص : 87 ] ، { وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءاخَرَ } [ القصص : 88 ] .