فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلَا يَحۡزُنكَ قَوۡلُهُمۡۘ إِنَّا نَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَ} (76)

ثم سلى سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } هذا القول هو ما يفيده قوله : { واتخذوا مِن دُونِ الله ءالِهَةً } فإنهم لابدّ أن يقولوا : هؤلاء آلهتنا ، وإنها شركاء لله في المعبودية ، ونحو ذلك . وهو نهي للرسول صلى الله عليه وسلم عن التأثر بذلك . وقيل : إنه نهي لهم عن الأسباب التي تحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن النهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن التأثر لما يصدر منهم هو من باب : «لا أرينك هاهنا » فإنه يراد به نهي من خاطبه عن الحضور لديه ، لا نهي نفسه عن الرؤية ، وهذا بعيد ، والأوّل أولى ، والكلام من باب التسلية كما ذكرنا ، ويجوز أن يكون المراد بالقول المذكور هو : قولهم إنه ساحر وشاعر ومجنون . وجملة { إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } لتعليل ما تقدّم من النهي ، فإن علمه سبحانه بما يظهرون ، ويضمرون مستلزم المجازاة لهم بذلك . وأن جميع ما صدر منهم لا يعزب عنه سواء كان خافياً ، أو بادياً سرًّا ، أو جهراً مظهراً ، أو مضمراً . وتقديم السرّ على الجهر للمبالغة في شمول علمه لجميع المعلومات .

/خ83