{ 17-33 } { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ }إلى آخر القصة
{[781]} لما ذكر تعالى تكذيب من كذب الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم ذكر أن لهم سلفا من المكذبين ، فذكر قصتهم مع موسى وما أحل الله بهم ليرتدع هؤلاء المكذبون عن ما هم عليه فقال : { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ } أي : ابتليناهم واختبرناهم بإرسال رسولنا موسى بن عمران إليهم الرسول الكريم الذي فيه من الكرم ومكارم الأخلاق ما ليس في غيره .
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن جانب من قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون وملئه ، وكيف أن الله - تعالى - أجاب دعاء نبيه موسى ، فأهلك فرعون وقومه ، ونجى موسى وبنى إسرائيل من شرورهم فقال - تعالى - : { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ . . . مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ } .
واللام فى قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ . . } موطئة للقسم . وقوله { فَتَنَّا } من الفتن بمعنى الاختبار والامتحان . يقال : فتنت الذهب بالنار ، إذا أدلخته فيها لتعرف جودته من رداءته .
والمراد به هنا : إخبارهم وامتحانهم ، بإرسال موسى - عليه السلام - وبالتوسعة عليهم تارة ، وبالتضييق عليهم تارة اخرى .
والمعنى : والله قد اتبرنا فرعون وقومه من قبل أن نرسلك - أيها الرسول الكريم - إلى هؤلاء المشركين ، وكان اختبارنا وامتحاننا لهم عن طريق إرسال نبينا موسى إليهم ، وعن طريق ابتلائهم بالسراء والضارء لعلهم يرجعون إلى طاعتنا ، ولكنهم لم يرجعوا فأهلكناهم .
فالآية الكريمة المقصود بها تسلية - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من قومه ، ببيان أن تكذيب الأقوام لرسلهم ، حاصل من قبله ، فعليه أن يتأسى بالرسل السابقين فى صبرهم .
والمراد بالرسول الكريم فى قوله : - تعالى - : { وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } : موسى - عليه السلام - ، فقد أرسله - سبحانه - إلى فرعون وقومه ، فبلغهم رسالة ربه ، ولكنهم كذبوه وعصوه . .
( ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون ) . .
وابتليناهم بالنعمة والسلطان ، والتمكين في الأرض ، والإملاء في الرخاء ، واسباب الثراء والاستعلاء .
وكان هذا طرفاً من الابتلاء ، ينكشف به نوع استجابتهم للرسول الكريم ، الذي لا يطلب منهم شيئاً لنفسه ؛ إنما يدعوهم إلى الله ، ويطلب إليهم أن يؤدوا كل شيء لله ، وألا يستبقوا شيئاً لا يؤدونه من ذوات أنفسهم يضنون به على الله :
جعل الله قصة قوم فرعون مع موسى عليه السلام وبني إسرائيل مثلاً لحال المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به ، وجعل ما حلّ بهم إنذاراً بما سيحلّ بالمشركين من القحط والبطشة مع تقريب حصول ذلك وإمكانه ويُسره وإن كانوا في حالة قوة فإن الله قادر عليهم ، كما قال تعالى : { فأهلكنا أشدّ منهم بطشاً } [ الزخرف : 8 ] فذكرها هنا تأييد للنبيء ووَعدٌ له بالنصر وحسنِ العاقبة ، وتهديدٌ للمشركين .
وهذا المثل وإن كان تشبيهاً لمجْمُوعِ الحالة بالحالة فهو قابل للتوزيع بأن يشبَّه أبو جهل بفرعون ، ويشبه أتباعه بملإِ فرعون وقومِه أو يشبه محمد صلى الله عليه وسلم بموسى عليه السلام ، ويشبه المسلمون ببني إسرائيل . وقبولُ المثل لتوزيع التشبيه من محاسنه .
وموقع جملة { ولقد فتنا } يجوز أن يكون موقع الحال فتكون الواوُ للحال وهي حال من ضمير { إنا منتقمون } [ الدخان : 16 ] . ويجوز أن تكون معطوفة على جملة { إنا منتقمون } [ الدخان : 16 ] ، أي منتقمون منهم في المستقبل وانتقمنا من قوممِ فرعون فيما مضى .
وأشعر قولَه { قبلَهم } أن أهل مكة سيُفتنون كما فُتِن قوم فرعون ، فكان هذا الظرف مؤذناً بجملة محذوفة على طريقة الإيجاز ، والتقدير : إنا منتقمون ففاتنوهم فقد فتنا قبلهم قوم فرعون ، ومؤذناً بأن المذكور كالدليل على توقع ذلك وإمكانه وهو إيجاز آخر .
والمقصود تشبيه الحالة بالحالة ولكن عدل عن صَوغ الكلام بصيغة التشبيه والتمثيل إلى صوغه بصيغة الإخبار اهتماماً بالقصة وإظهاراً بأنها في ذاتها مما يهم العلمُ به ، وأنها تذكير مستقل وأنها غير تابعة غيرها . ولأن جملة { وجاءهم رسول كريم } عطفت على جملة { فتنا } أي ولقد جاءهم رسول كريم ، عطفَ مفصل على مجمل ، وإنما جاء معطوفاً إذ المذكور فيه أكثرُ من معنى الفتنة ، فلا تكون جملة { وجاءهم رسول كريم } بياناً لجملة { فتنا } بل هي تفصيل لقصة بعثة موسى عليه السلام .
والفَتن : الإيقاع في اختلال الأحوال ، وتقدم في قوله تعالى : { والفتنة أشدّ من القتل } في سورة البقرة ( 191 ) .
والرسول الكريم : موسى ، والكريم : النفيس الفائق في صنفه ، وتقدم عند قوله تعالى : { إِنَيَ أُلْقِيَ إليّ كتابٌ كريمٌ } في سورة النمل ( 29 ) ، أي رسول من خِيرة الرسل أو من خِيرة الناس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.