قوله تعالى : { جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب } ولم يروها { إنه كان وعده مأتياً } يعني : آتياً ، مفعول بمعنى فاعل . وقيل : لم يقل آتياً لأن كل ما أتاك فقد أتيته ، والعرب لا تفرق بين قول القائل : أتت عليّ خمسون سنة وبين قوله : أتيت على خمسين سنة ، ويقول : وصل إليّ الخير ووصلت إلى الخير . وقال ابن جرير : وعده أي : موعوده وهو الجنة ، مأتيا يأتيه أولياؤه أهل الجنة ، وأهل طاعته .
ثم ذكر أن الجنة التي وعدهم بدخلولها ، ليست كسائر الجنات ، وإنما هي جنات عدن ، أي : جنات إقامة ، لا ظعن فيها ، ولا حول ولا زوال ، وذلك لسعتها ، وكثرة ما فيها من الخيرات والسرور ، والبهجة والحبور .
{ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ } أي : التي وعدها الرحمن ، أضافها إلى اسمه { الرَّحْمَنُ } لأن فيها من الرحمة والإحسان ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب [ بشر ] . وسماها تعالى رحمته ، فقال : { وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } وأيضا ففي إضافتها إلى رحمته ، ما يدل على استمرار سرورها ، وأنها باقية ببقاء رحمته ، التي هي أثرها وموجبها ، والعباد في هذه الآية ، المراد : عباد إلهيته ، الذين عبدوه ، والتزموا شرائعه ، فصارت العبودية وصفا لهم كقوله : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ } ونحوه ، بخلاف عباده المماليك فقط ، الذين لم يعبدوه ، فهؤلاء وإن كانوا عبيدا لربوبيته ، لأنه خلقهم ورزقهم ، ودبرهم ، فليسوا داخلين في عبيد إلهيته العبودية الاختيارية ، التي يمدح صاحبها ، وإنما عبوديتهم عبودية اضطرار ، لا مدح لهم فيها .
وقوله : { بِالْغَيْبِ } يحتمل أن تكون متعلقه ب { وَعَدَ الرَّحْمَنُ } فيكون المعنى على هذا ، أن الله وعدهم إياها وعدا غائبا ، لم يشاهدوه ولم يروه فآمنوا بها ، وصدقوا غيبها ، وسعوا لها سعيها ، مع أنهم لم يروها ، فكيف لو رأوها ، لكانوا أشد لها طلبا ، وأعظم فيها رغبة ، وأكثر لها سعيا ، ويكون في هذا ، مدح له بإيمانهم بالغيب ، الذي هو الإيمان النافع . ويحتمل أن تكون متعلقة بعباده ، أي : الذين عبدوه في حال غيبهم وعدم رؤيتهم إياه ، فهذه عبادتهم ولم يروه ، فلو رأوه ، لكانوا أشد له عبادة ، وأعظم إنابة ، وأكثر حبا ، وأجل شوقا ، ويحتمل أيضا ، أن المعنى : هذه الجنات التي وعدها الرحمن عباده ، من الأمور التي لا تدركها الأوصاف ، ولا يعلمها أحد إلا الله ، ففيه من التشويق لها ، والوصف المجمل ، ما يهيج النفوس ، ويزعج الساكن إلى طلبها ، فيكون هذا مثل قوله : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } والمعاني كلها صحيحة ثابتة ، ولكن الاحتمال الأول أولى ، بدليل قوله : { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا } لابد من وقوعه ، فإنه لا يخلف الميعاد ، وهو أصدق القائلين .
وقوله { جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ بالغيب } . بدل من الجنة فى قوله { فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة } .
أى : هؤلاء التائبون المؤمنون العاملون للصالحات يدخلهم الله - تعالى - جنات عدن ، أى : الجنات الدائمة التى وعدهم الرحمن بدخولها ، وكان هذا الوعد فى الدنيا قبل أن يشاهدوها أو يروها .
فقوله : { بالغيب } حال من المفعول وهو { عِبَادَهُ } أى : وعدهم بها حالة كونهم غائبين عنها ، لا يرونها ، وإنما آمنوا بوجودها بمجرد إخباره - سبحانه - لهم بذلك .
وقد أكد - سبحانه - هذا الوعد لهم بوجودها بمجرد إخباره - سبحانه - لهم بذلك .
وقد أكد - سبحانه - هذا الوعد لهم فى الدنيا بقوله : { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } أى : إنه - تعالى - كان وما زال ما وعد به عباده وهو الجنة { مَأْتِيّاً } أى : يأتيه ويصل إليه من وعده الله - تعالى - به ، لأنه - سبحانه - لا يخلف وعده .
فقوله : { مَأْتِيّاً } اسم مفعول من أتاه الشىء بمعنى جاءه ، وقيل : هو اسم مفعول بمعنى فاعل ، أى : إن وعده - سبحانه - لعباده كان آتياً لا ريب فيه .
يقول تعالى : الجنات التي يدخلها{[18969]} التائبون من ذنوبهم ، هي { جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي : إقامة { الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ } بظهر الغيب ، أي : هي من الغيب الذي يؤمنون به وما رأوه ؛ وذلك لشدة إيقانهم وقوة إيمانهم .
وقوله : { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا } تأكيد لحصول ذلك وثبوته واستقراره ؛ فإن الله لا يخلف الميعاد ولا يبدله ، كقوله : { كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا } [ المزمل : 18 ]{[18970]} أي : كائنا لا محالة .
وقوله هاهنا : { مَأْتِيًّا } أي : العباد صائرون إليه ، وسيأتونه .
ومنهم من قال : { مَأْتِيًّا } بمعنى : آتيا ؛ لأن كل ما أتاك فقد أتيته ، كما تقول العرب : أتت عليّ خمسون سنة ، وأتيت على خمسين سنة ، كلاهما بمعنى [ واحد ]{[18971]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.