إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحۡمَٰنُ عِبَادَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّهُۥ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَأۡتِيّٗا} (61)

{ جنات عَدْنٍ } بدلٌ من الجنةَ بدلَ البعض لاشتمالها عليها وما بينهما اعتراضٌ أو نصبٌ على المدح ، وقرئ بالرفع على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ أي هي أو تلك جنات الخ . أو مبتدأ خبرُه التي وعد الخ ، وقرئ جنة عدْنَ نصباً ورفعاً ، وعدْنُ علمٌ لمعنى العَدْن وهو الإقامةُ كما أن فيْنةَ وسحرَ وأمسَ فيمن لم يصرِفها أعلامٌ لمعاني الفينةِ وهي الساعة التي أنت فيها والسحرِ والأمسِ فجرى لذلك مجرى العدْن ، أو هو علمٌ لأرض الجنة خاصةً ولولا ذلك لما ساغ إبدالُ ما أضيف إليه من الجنة بلا وصفٍ عند غير البصريين ولا صفةٍ بقوله تعالى : { التي وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ } وجعلُه بدلاً منه خلافُ الظاهر فإن الموصولَ في حكم المشتقّ وقد نصّوا على أن البدَل بالمشتق ضعيفٌ ، والتعرضُ لعنوان الرحمة للإيذان بأن وعدَها وإنجازَه لكمال سَعةِ رحمته والباء في قوله تعالى : { بالغيب } متعلقةٌ بمضمر هو حالٌ من المضمر العائدِ إلى الجنات أو من عباده ، أي وعدها إياهم ملتبسةً أو ملتبسين بالغيب ، أي غائبةً عنهم غيرَ حاضرة أو غائبين عنها لا يرَوْنها وإنما آمنوا بها بمجرد الإخبار ، أو بمضمر هو سببُ الوعدِ أي وعدها إياهم بسبب إيمانِهم .

{ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ } أي موعدُه كائناً ما كان فيدخل فيه الجناتُ الموعودةُ دخولاً أولياً ، ولما كانت هي مثابةً يُرجَع إليها قيل : { مَأْتِيّاً } أي يأتيه مَنْ وُعِد له لا محالة بغير خُلْف ، وقيل : هو مفعولٌ بمعنى فاعل ، وقيل : مأتياً أي مفعولاً مُنجَزاً من أتى إليه إحساناً أي فعَلَه .