معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (166)

قوله تعالى : { وما أصابكم يوم التقى الجمعان } . بأحد من القتل والجرح والهزيمة .

قوله تعالى : { فبإذن الله } . أي بقضائه وقدره .

قوله تعالى : { وليعلم المؤمنين } . أي وليميز ، وقيل ليرى .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (166)

ثم أخبر أن ما أصابهم يوم التقى الجمعان ، جمع المسلمين وجمع المشركين في " أحد " من القتل والهزيمة ، أنه بإذنه وقضائه وقدره ، لا مرد له ولا بد من وقوعه . والأمر القدري -إذا نفذ ، لم يبق إلا التسليم له ، وأنه قدره لحكم عظيمة وفوائد جسيمة ، وأنه ليتبين بذلك المؤمن من المنافق ، الذين لما أمروا بالقتال ،

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (166)

ثم أكد - سبحانه - عموم قدرته وإراته فقال : { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ التقى الجمعان فَبِإِذْنِ الله وَلِيَعْلَمَ المؤمنين } .

أى : وما أصابكم - أيها المؤمنون - من قتل وجراح وآلام يوم التقى جمعكم وجمع أعدائكم فى أحد ، { فَبِإِذْنِ الله } أى فبإرادته وعلمه ، إذ ما من شىء يقع فى هذا الكون إلا بتقدير الله وعلمه ، فعليكم أن تستسلموا لإرادة الله ، وأن تعودوا إلى أنفسكم فتهذبوها وتروضوها على تقوى الله وطاعته ، حتى تكونوا أهلا لنصرته وعونه .

و " ما " موصولة بمعنى الذى فى محل رفع بالابتداء ، وجملة { أَصَابَكُمْ } صلة الموصولة ، وقوله { فَبِإِذْنِ الله } هو الخبر . ودخلت الفاء فى الخبر لشبه المبتدأ بالشرط . وقوله { وَلِيَعْلَمَ المؤمنين } بيان لبعض الحكم التى من أجلها حدث ما حدث فى غزوة أحد .

والعلم هنا كناية عن الظهور والتقرر فى الخارج لما قدره - سبحانه - فى الأزل أى أراد الله أن يحدث ما حدث فى غزوة أحد ليظهر للناس ويميز لهم المؤمنين من غيرهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (166)

121

ومع هذا فقد كان قدر الله من وراء الأمر كله لحكمة يراها . وقدر الله دائما من وراء كل أمر يحدث ، ومن وراء كل حركة وكل نأمة ، وكل انبثاقة في هذا الكون كله :

( وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله . . . ) . .

لم يقع مصادفة ولا جزافا ، ولم يقع عبثا ولا سدى . فكل حركة محسوب حسابها في تصميم هذا الكون ؛ ومقدر لها علتها ونتائجها ؛ وهي في مجموعها - ومع جريانها وفق السنن والقوانين الثابتة التي لا تنخرق ولا تتعطل ولا تحابي - تحقق الحكمة الكامنة وراءها ؛ وتكمل " التصميم " النهائي للكون في مجموعة !

إن التصور الإسلامي يبلغ من الشمول والتوازن في هذه القضية ، ما لا يبلغه أي تصور آخر في تاريخ البشرية . .

هنالك ناموس ثابت وسنن حتمية . . وهناك وراء الناموس الثابت والسنن الحتمية إرادة فاعلة ومشيئة طليقة . وهناك وراء الناموس والسنن والإرادة والمشيئة حكمة مدبرة يجري كل شيء في نطاقها . . والناموس يتحكم والسنن تجري في كل شيء - ومن بينها الإنسان - والإنسان يتعرض لهذه السنن بحركاته الإرادية المختارة ، وبفعله الذي ينشئه حسب تفكيره وتدبيره ، فتنطبق عليه ، وتؤثر فيه . . ولكن هذا كله يقع موافقا لقدر الله ومشيئته ؛ ويحقق في الوقت ذاته حكمته وتقديره . . وإرادة الإنسان وتفكيره وحركته وفاعليته هي جزء من سنن الله وناموسه يفعل بها ما يفعل ، ويحقق بها ما يحقق في نطاق قدره وتدبيره . فليس شيء منها خارجا على السنن والناموس . ولا مقابلا لها ومناهضا لفعلها ، كما يتصور الذين يضعون إرادة الله وقدره في كفة ، ويضعون إرادة الإنسان وفاعليته في الكفة المقابلة . . كلا . ليس الأمر هكذا في التصور الإسلامي . . فالإنسان ليس ندا لله ، ولا عدوا له كذلك . والله - سبحانه - حين وهب الإنسان كينونته وفكره وإرادته وتقديره وتدبيره وفاعليته في الأرض ، لم يجعل شيئا من هذا كله متعارضا مع سنته - سبحانه - لا مناهضا لمشيئته ، ولا خارجا كذلك عن الحكمة الأخيرة وراء قدره في هذا الكون الكبير . . ولكن جعل من سنته وقدره أن يقدر الإنسان ويدبر ؛ وأن يتحرك ويؤثر ؛ وأن يتعرض لسنة الله فتنطبق عليه ؛ وأن يلقى جزاء هذا التعرض كاملا من لذة وألم ، وراحة وتعب ، وسعادة وشقاوة . . وأن يتحقق من وراء هذا التعرض ونتيجته ، قدر الله المحيط

بكل شيء ، في تناسق وتوازن . .

وهذا الذي وقع في غزوة أحد ، مثل لهذا الذي نقوله عن التصور الإسلامي الشامل الكامل . فقد عرف الله المسلمين سنته وشرطه في النصر والهزيمة . فخالفوا هم عن سنته وشرطه ، فتعرضوا للألم والقرح الذي تعرضوا له . . ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد ، فقد كان وراء المخالفة والألم تحقيق قدر الله في تمييز المؤمنين من المنافقين في الصف ، وتمحيص قلوب المؤمنين وتجلية ما فيها من غبش في التصور ، ومن ضعف أو قصور . .

وهذا بدوره خير ينتهي إليه أمر المسلمين - من واء الألم والضر - وقد نالوه وفق سنة الله كذلك . فمن سنته أن المسلمين الذين يسلمون بمنهج الله ويستسلمون له في عمومه ، يعينهم الله ويرعاهم ، ويجعل من أخطائهم وسيلة لخيرهم النهائي - ولو ذاقوا مغبتها من الألم - لأن هذا الألم وسيلة من وسائل التمحيص والتربية والإعداد .

وعلى هذا الموقف الصلب المكشوف تستريح أقدام المسلمين وتطمئن قلوبهم ، بلا أرجحة ولا قلق ولا حيرة ، وهم يواجهون قدر الله ، ويتعاملون مع سنته في الحياة ؛ وهم يحسون أن الله يصنع بهم في أنفسهم وفيمن حولهم ما يريده ، وأنهم أداة من أدوات القدر يفعل بها الله ما يشاء ، وأن خطأهم وصوابهم - وكل ما يلقونه من نتائج لخطئهم وصوابهم - متساوق مع قدر الله وحكمته ، وصائر بهم إلى الخير ما داموا في الطريق :

( وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله . . وليعلم المؤمنين ، وليعلم الذين نافقوا ، وقيل لهم : تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، قالوا : لو نعلم قتالا لاتبعناكم . هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان . يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم . والله أعلم بما يكتمون ) . .

/خ179