معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَكُّ رَقَبَةٍ} (13)

{ فك رقبة * أو إطعام } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي : { فك } بفتح الكاف ، { رقبةً } نصب ، { أو أطعم } بفتح الهمزة والميم على الماضي . وقرأ الآخرون { فك } برفع الكاف ، { رقبة } جراً ، { أو إطعام } على المصدر . وأراد بفك الرقبة وإطلاقها ، ومن أعتق رقبة كانت الرقبة فداء من النار .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد ، حدثني ابن الهاد ، عن عمر ابن علي بن حسين ، عن سعيد بن حارثة قال : سمعته يحدث عن أبي هريرة قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار ، حتى يعتق فرجه بفرجه " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، أنبأنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا محمد بن كثير العبدي ، حدثنا عيسى بن عبد الرحمن السلمي ، عن طلحة بن مصرف اليامي ، عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال : " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني عملاً يدخلني الجنة ، قال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة ، أعتق النسمة وفك الرقبة ، قال : أوليسا واحداً ؟ قال : لا ، عتق النسمة : أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة تعين في ثمنها ، والمنحة الوكوف ، والفيء على ذي الرحم الظالم ، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير " . وقال عكرمة قوله : { فك رقبة } يعني فك رقبة من الذنوب بالتوبة { أو إطعام في يوم ذي مسغبة } مجاعة ، يقال : سغب يسغب سغباً إذا جاع .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَكُّ رَقَبَةٍ} (13)

ثم فسر [ هذه ] العقبة{ فَكُّ رَقَبَةٍ } أي : فكها من الرق ، بعتقها أو مساعدتها على أداء كتابتها ، ومن باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَكُّ رَقَبَةٍ} (13)

{ فَكُّ رَقَبَةٍ } . والمراد بفك الرقبة إعتاقها وتخليصها من الرق والعبودية . إذ الفك معناه : تخليص الشئ من الشئ . .

وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ، جملة من الأحاديث التى وردت فى فضل عتق الرقاب ، وتحريرها من الرق . .

ومن هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم " من أعتق رقبة مؤمنة ، أعتق الله بكل إِرْبِ منها - أى عضو منها - إربا منه من النار . . . " .

وقوله صلى الله عليه وسلم : " ومن أعتق رقبة مؤمنة فهى فكاكه من النار . . " .

وقراءة الجمهور { فَكُّ رَقَبَةٍ } برفع " فك " وإضافته إلى " رقبة " .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائى : " فك " بفتح الكاف على أنه فعل ماض ، ونصب لفظ " رقبة " على أنه مفعول به .

وقد ذهب جمع من المفسرين إلى أن المراد بفك الرقبة : أن يخلص الإِنسان نفسه من المعاصى والسيئات ، التى تكون سببا فى دخوله النار .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكُّ رَقَبَةٍ} (13)

وقد ورد أن فك الرقبة هو المشاركة في عتقها ، وأن العتق هو الاستقلال بهذا . . وأيا ما كان المقصود فالنتيجة الحاصلة واحدة .

وقد نزل هذا النص والإسلام في مكة محاصر ؛ وليست له دولة تقوم على شريعته . وكان الرق عاما في الجزيرة العربية وفي العالم من حولها . وكان الرقيق يعاملون معاملة قاسية على الإطلاق . فلما أن أسلم بعضهم كعمار بن ياسر وأسرته ، وبلال بن رباح ، وصهيب . . وغيرهم - رضي الله عنهم جميعا - اشتد عليهم البلاء من سادتهم العتاة ، وأسلموهم إلى تعذيب لا يطاق . وبدا أن طريق الخلاص لهم هو تحريرهم بشرائهم من سادتهم القساة ، فكان أبو بكر - رضي الله عنه - هو السابق كعادته دائما إلى التلبية والاستجابة في ثبات وطمأنينة واستقامة . .

قال ابن اسحاق : " وكان بلال مولى أبي بكر - رضي الله عنهما - لبعض بني جمح مولدا من مولديهم وكان صادق الإسلام ، طاهر القلب ، وكان أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ؛ ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى . فيقول وهو في ذلك البلاء : أحد أحد . . .

" حتى مر به أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يوما وهم يصنعون ذلك به - وكانت دار أبي بكر في بني جمح . فقال لأمية بن خلف ، ألا تتقي الله في هذا المسكين ? حتى متى ? قال : أنت الذي أفسدته فأنقذه مما ترى . فقال أبو بكر : أفعل . عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى ، على دينك " أعطيكه به . قال : قد قبلت . قال : هو لك . فأعطاه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - غلامه ذلك وأخذه وأعتقه .

" ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر إلى المدينة ست رقاب . بلال سابعهم : عامر بن فهيرة [ شهد بدرا وقتل يوم بئر معونة شهيدا ] وأم عبيس ، وزنيرة . [ وأصيب بصرها حين أعتقها ، فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى ! فقالت : كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما تنفعان . فرد الله بصرها ] وأعتق النهدية وابنتها ، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهي تقول : والله لا أعتقكما أبدا . فقال أبو بكر - رضي الله عنه - حل يا أم فلان [ أي تحللي من يمينك ] فقالت : حل ! أنت أفسدتهما فأعتقهما . قال فبكم هما ? قالت : بكذا وكذا . قال : قد أخذتهما وهما حرتان . أرجعا إليها طحينها . قالتا : أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها ? قال : ذلك إن شئتما .

" ومر بجارية بني مؤمل - هي من بني عدي - وكانت مسلمة ، وكان عمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام - وهو يومئذ مشرك - وهو يضربها ، حتى إذا مل قال : إني أعتذر إليك ، إني لم أتركك إلا ملالة ! فتقول : كذلك فعل الله بك ! فابتاعها أبو بكر فأعتقها " .

قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن عبد الله بن أبي عتيق ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن بعض أهله ، قال : قال أبو قحافة لأبي بكر : يا بني إني أراك تعتق رقابا ضعافا . فلو أنك إذا فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقومون دونك ! قال : فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا أبت إني إنما أريد ما أريد لله . . . " . .

لقد كان - رضي الله عنه - يقتحم العقبة وهو يعتق هذه الرقاب العانية . . لله . . وكانت الملابسات الحاضرة في البيئة تجعل هذا العمل يذكر في مقدمة الخطوات والوثبات لاقتحام العقبة في سبيل الله .