هذا الإِنسان - أيضا - من صفاته أنه : { يَسْمَعُ آيَاتِ الله تتلى عَلَيْهِ } صباح مساء .
{ ثُمَّ } بعد ذلك { يُصِرُّ } على كفره { مُسْتَكْبِراً } أي : متكبرا عن الإِيمان .
{ كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } أي : كأنه لم يسمع هذه الآيات ، لأنها لم توافق هواه أو شهواته .
والتعبير بقوله : { ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً } للتعجيب من حاله ، حيث يصر على كفره ، بعد سماع ما يدعو إلى التخلي عن الكفر ، ويحمل على الدخول في الإِيمان .
والإِصرار على الشيء : ملازمته وعدم الانفكاك عنه ، مأخوذ من الصر - بفتح الصاد - وهو الشد ، ومنه صرة الدراهم ، لأنها مشدودة على ما بداخلها .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى { ثُمَّ } فى قوله : { ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً } ؟
قلت : كمعناه في قول القائل ، يرى غمرات الموت ثم يزورها .
وذلك أن غمرات الموت خليقة بأن ينجو رائيها بنفسه ، ويطلب الفرار عنها .
وأما زيارتها والإِقدام على مزاولتها ، فأمر مستبعد ، فمعنى { ثُمَّ } : الإِيذان بأن فعل المقدم عليها بعدما رآها وعاينها ، شيء يستبعد في الغايات والطباع .
وكذلك آيات الله الواضحة الناطقة بالحق ، من تليت عليه وسمعها : كان مستبعدا فى العقول إصراره على الضلالة عندها ، واستكباره عن الإِيمان بها .
وقوله - تعالى - : { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } تهكم بهذا الأفاك الأثيم . . واستسهزاء به . لأن البشارة فى الأصل إنما تكون من أجل الخبر السار ، الذي تتهلل له البشرة .
أي : فبشره بعذاب أليم ، بسبب إصراره على كفره ، واستحبابه العمى على الهدى
يَسْمَعُ آياتِ اللّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ يقول : يسمع آيات كتاب الله تُقرأ عليه ثُمّ يُصِرّ على كفره وإثمه فيقيم عليه غير تائب منه ، ولا راجع عنه مُسْتَكْبِرا على ربه أن يذعن لأمره ونهيه كأنْ لَمْ يَسْمَعْها يقول : كأن لم يسمع ما تلي عليه من آيات الله بإصراره على كفره ، فَبَشّرْهُ بعَذَابٍ ألِيمٍ . يقول : فبشر يا محمد هذا الأفّاك الأثيم الذي هذه صفته بعذاب من الله له . أليم : يعني موجع في نار جهنم يوم القيامة .
وجعلت حالتُه أنه يسمع آيات الله ثم يُصرّ مستكبراً لأن تلك الحالة وهي حالة تكرر سماعه آيات الله وتكرر إصراره مستكبراً عنها تحمله على تكرير تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وتكرير الإثم ، فلا جرم أن يكون أفاكاً أثيماً بَلْهَ ما تلبس به من الشرك الذي كله كذب وإثم .
والمراد ب { كل أفّاك أثيم } جميع المشركين الذين كذبوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وعاندوا في معجزة القرآن وقالوا { لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه } [ سبإ : 31 ] وبخاصة زعماء أهل الشرك وأيمة الكفر مثل النضْر بنِ الحارث ، وأبي جهل وقرنائهم . و { آيات الله } أي القرآن فإنها المتلوة . و { ثم } للتراخي الرتبي لأن ذلك الإصرار بعد سماع مثل تلك الآيات أعظم وأعجب ، فهو يصر عند سماع آيات الله وليس إصراره متأخراً عن سماع الآيات .
والإصرار : ملازمة الشيء وعدم الانفكاك عنه ، وحُذف متعلق { يصِرّ } لدلالة المقام عليه ، أي يُصرُّون على كفرهم كما دل على ذلك قوله : { فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون } [ الجاثية : 6 ] .
وشبه حالهم في عدم انتفاعهم بالآيات بحالهم في انتفاء سماع الآيات ، وهذا التشبيه كناية عن وضوح دلالة آيات القرآن بحيث إن من يسمعها يصدق بما دلت عليه فلولا إصرارهم واستكبارهم لانتفعوا بها .
و { كَأنْ } أصلها ( كأنَّ ) المشددة فخففت فقدر اسمها وهو ضمير الشأن . وفرّع على حالتهم هذه إنذارهم بالعذاب الأليم وأطلق على الإنذار اسم البشارة التي هي الإخبار بما يسر على طريقة التهكم .
والمراد بالعلم في قوله : { وإذا علم من آياتنا شيئاً } السمع ، أي إذا ألقى سمعه إلى شيء من القرآن اتخذه هُزؤاً ، أي لا يَتلقى شيئاً من القرآن إلا ليجعله ذريعة للهزء به ، ففعل { عَلِم } هنا متعدّ إلى واحد لأنه بمعنى عَرف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.