الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَسۡمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} (8)

{ يُصِرُّ } يقبل على كفره ويقيم عليه . وأصله من إصرار الحمار على العانة وهو أن ينحى عليها صارّاً أذنيه . { مُسْتَكْبِراً } عن الإيمان بالآيات والإذعان لما ينطق به من الحق ، مزدرياً لها معجباً بما عنده . قيل : نزلت في النضر بن الحرث وما كان يشتري من أحاديث الأعاجم ، ويشغل الناس بها عن استماع القرآن . والآية عامّة في كل ما كان مضارّاً لدين الله .

فإن قلت : ما معنى ثم في قوله : { ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً } ؟ قلت : كمعناه في قول القائل :

يَرَى غَمَرَاتِ المَوْتِ ثُمَّ يَزُورُها ***

وذلك أنّ غمرات الموت حقيقة بأن ينجو رائيها بنفسه ويطلب الفرار عنها . وأمّا زيارتها والإقدام على مزاولتها فأمر مستبعد ، فمعنى ثم : الإيذان بأن فعل المقدم عليها بعدما رآها وعاينها شيء يستعبد في العادات والطباع ، وكذلك آيات الله الواضحة الناطقة بالحق ، من تليت عليه وسمعها كان مستبعداً في العقول إصراره على الضلالة عندها واستكباره عن الإيمان بها { كَأَن } مخففة ، والأصل كأنه لم يسمعها : والضمير ضمير الشأن ، كما في قوله :

كَأَنْ ظَبْيَةً تعطو إِلَى نَاضِرِ السَّلَمْ ***

ومحل الجملة النصب على الحال . أي : يصر مثل غير السامع .