نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَسۡمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} (8)

: { يسمع آيات الله } أي دلالات الملك الأعظم الظاهرة حال كونها { تتلى{[57915]} } أي يواصل {[57916]}استماعه لها{[57917]} بلسان القال أو الحال من أيّ تال كان ، عالية { عليه } بجميع ما فيها من سهولة فهمها وعذوبة ألفاظها وظهور معانيها وجلالة مقاصدها مع الإعجاز ، فكيف إذا كان التالي أشرف الخلق .

ولما كانت تلاوتها موجبة لإقلاعه فكان{[57918]} إصراره مع بعد رتبته في الشناعة{[57919]} مستبعداً كونه قال : { ثم يصر } أي يدوم دواماً عظيماً على قبيح ما هو فيه حال كونه { مستكبراً } أي طالباً الكبر عن الإذعان وموجداً له . ولما كان مع ما ذكر من حاله يجوز أن يكون سماعه لها{[57920]} ، خفف من{[57921]} مبالغته في الكفر ، بين أنها لم تؤثر فيه نوعاً من التأثير ، فكان قلبه أشد قسوة من الحجر فقال-{[57922]} : { كأن } أي كأنه { لم يسمعها } فعلم من ذلك ومن الإصرار وما قيد به من الاستكبار أن حاله عند السماع وقبله وبعده على حد سواء ، وقد علم بهذا الوصف أن كل-{[57923]} من لم ترده آيات الله تعالى كان مبالغاً في الإثم والإفك ، فكان له الويل .

ولما كان الإصرار معناه الدوام المتحكم ، لم يذكر الوقر الذي هو من الأمراض الثابتة كما ذكره في سورة لقمان ، قال ابن القطاع{[57924]} وابن ظريف في أفعالهما ، أصر على الذنب والمكروه : أقام ، وقال عبد-{[57925]} الغافر الفارسي في المجمع : أصررت على الشيء أي أقمت ودمت عليه{[57926]} ، وقال ابن فارس{[57927]} في المجمل : والإصرار : العزم على الشيء والثبات عليه{[57928]} ، وقال أبو{[57929]} عبد الله القزاز في ديوانه ونقله عنه عبد الحق في واعيه : وأصل الصر الإمساك ، ومنه يقال : أصر فلان{[57930]} على كذا ، أي أقام عليه وأمسكه في نفسه [ وعقده لأنه قد يقول ما ليس في نفسه-{[57931]} ] وما لا يعتقده ، والرجل مصر على الذنب أي ممسك له معتقد عليه ، ثم قال : من الإصرار عليه وهو العزم على أن لا يقلع عنه ، وقال الأصفهاني{[57932]} تبعاً لصاحب الكشاف : وأصله من أصر الحمار على العانة{[57933]} ، وهو أن ينحني عليها صاراً أذنيه .

ولما أخبر عن ثباته على الخبث ، سببب عنه تهديده في أسلوب دال - بما فيه من التهكم - على شدة الغضب وعلى أنه إن كان له بشارة فهي العذاب فلا بشارة له أصلاً فقال{[57934]} تعالى : { فبشره } أي على هذا الفعل الخبيث { بعذاب }{[57935]} لا يدع له عذوبة أصلاً { أليم * } أي بليغ الإيلام .


[57915]:زيد في الأصل: عليه، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[57916]:من ظ و م ومد،وفي الأصل: استماعها.
[57917]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: استماعها.
[57918]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: مكان.
[57919]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الساعة.
[57920]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: له.
[57921]:من ظ و م ومد،وفي الأصل: عن.
[57922]:زيد من م ومد.
[57923]:زيد من م ومد.
[57924]:راجع كتاب الأفعال2/251.
[57925]:زيد من م ومد.
[57926]:سقط من ظ و م ومد.
[57927]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: فارسي.
[57928]:سقط من ظ و م ومد.
[57929]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: ابن.
[57930]:زيد في الأصل: أي أمسك، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[57931]:زيد من م ومد.
[57932]:من ظ ومد، وفي الأصل و م: الأصبهاني.
[57933]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الصافة-كذا.
[57934]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: ولذلك قال.
[57935]:وقع في مد بياض من هنا إلى "جهنم أي تأخذهم" قدر صفحة مطبوعة وبضعة أسطر.