اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَسۡمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} (8)

قوله : «يَسْمَعُ » يجوز أ ، يكون مستأنفاً ، أي هو يسمع ، أو دون إضمار «هو » وأن يكون حالاً من الضمير في «أثيم » وأن يكون صفة .

قوله : «تُتْلَى عَلَيْهِ » حال من «آيَاتِ اللهِ »{[50584]} ، ولا يجيء فيه الخلاف وهو أنه يجوز أن يكون في محل نصب مفعولاً ثانياً ؛ لأن شرط ذلك أن يقع بعدها ما لا يسمع نحو «سَمِعْتُ زَيْداً يَقْرَأ » أما إذا وقع بعدها ما يسمع ، نحو : سَمِعْتُ قِرَاءَةَ زَيْدٍ يَتَرنَّمُ بِهَا فهي متعدية لواحد فقط ، و «الآيات » مما يسمع{[50585]} .

قوله : «ثمَّ يُصِرُّ » قال الزمخشري : فإن قلتَ : ما معنى «ثم » في قوله : { ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً } قلتُ : كمعناه في قول القائل :

4439 . . . . . . . . . . . . . . *** يَرَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ثُمَّ يَزُورُهَا{[50586]}

وذلك أن غمرات الموت حقيقة بأن ينجو رائيها بنفسه ، ويطلب الفِرار منها ، وأما زورانها والإقدام على مزاولتها فأمر مستبعد ، فمعنى ثم الإيذان بأن فعل المقدم عليها بعدما رآها وعاينها شيء يستبعد في العادات والطباع ، وكذلك آيات الله الواضحة الناطقة بالحق من تُلِيَتْ عليه وسَمِعَها كان مستبعداً في العقول إصراره على الضلالة عندها واستنكاره{[50587]} عن الإيمان بها{[50588]} .

قوله : { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } هذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفةً ، وأن تكون حالاً{[50589]} ، والأصل كأنه لم يسمعها ، والضمير ضمير الشأن ، ومحل الجملة النصب على الحال يَصِيرُ مِثْلَ غَيْرِ السَّامِع{[50590]} ثم قال : { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } .


[50584]:هذه الأوجه الإعرابية ذكرها أبو البقاء في التبيان 1151، والسمين في الدر 4/831.
[50585]:الدر المصون المرجع السابق، والذي عدها من النواسخ الأخفش والفارسي وابن بابشاذ، وابن عصفور وابن الصائغ، وابن أبي الربيع وابن مالك، انظر الهمع 1/150.
[50586]:سبق هذا البيت أنه لجعفر بن علبة الحارثي من الطويل وصدره: ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة وانظر كا ما في هنا أعلى بتوضيح من المؤلف نقلا عن الزمخشري 3/509 والدر المصون 4/831.
[50587]:في ب واستكباره وهو الموافق لما في الكشاف.
[50588]:انظر الكشاف 3/509.
[50589]:الكشاف المرجع السابق والتبيان 1151، ومشكل إعراب القرآن 2/395.
[50590]:قال بهذا الأصل الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير 27/261.