إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَسۡمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} (8)

{ يَسْمَعُ آيات الله } صفةٌ أخرى لأفَّاكٍ وقيلَ : حالٌ من الضميرِ في أثيمٍ . { تتلى عَلَيْهِ } حالٌ من آياتِ الله ولا مساغَ لجعلِه مفعولاً ثانياً ليسمعُ ، لأنَّ شرطَهُ أنْ يكونَ ما بعَدهُ ممَّا لا يُسمعُ كقولِكَ سمعتُ زيداً يقرأُ . { ثُمَّ يُصِرُّ } أي يقيمُ على كُفره . وأصلُه من إصرارِ الحمارِ على العانة{[723]} . { مُسْتَكْبِراً } عن الإيمانِ بما سمعهُ من آياتِ الله تعالى والإذعانِ لما تنطقُ بهِ من الحقِّ مُزدرياً لها مُعجَباً بما عندَهُ من الأباطيلِ . وقيلَ : نزلتْ في النَّضرِ بنِ الحارثِ وكان يشترِي من أحاديثِ الأعاجمِ ويشغلُ بها النَّاسَ عن استماعِ القُرآنِ ، لكنَّها وردتْ بعبارةٍ عامةٍ ناعية عليهِ وعلى كلِّ من يسيرُ سيرتَهُ ما هم فيه من الشرِّ والفسادِ . وكلمةُ ثمَّ لاستبعادِ الإصرارِ والاستكبارِ بعد سماعِ الآياتِ التي حقُّها أنْ تُذعنَ لها القلوبُ وتخضعَ لها الرقابُ كَما في قولِ مَنْ قالَ :

يَرَى غَمَراتِ الموتِ ثمَّ يزورُهَا *** . . .

{ كَأَن لمْ يَسْمَعْهَا } أي كأنَّه لم يسمعْهَا فخففَ وحُذفَ ضميرَ الشأنِ . والجملةُ حالٌ من يُصرُّ أي يصرُّ شبيهاً بغيرِ السامعِ . { فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } على إصرارِه واستكبارِه .


[723]:العانة: القطيع من حمر الوحش.