الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَسۡمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} (8)

قوله : { يَسْمَعُ } : يجوزُ فيه أَنْ يكونَ مستأنفاً أي : هو يَسْمَعُ ، أو دونَ إضمارِ " هو " ، وأَنْ يكونَ حالاً من الضمير في " أثيم " وأَنْ يكونَ صفةً .

قوله : " تُتْلَى عليه " حالٌ مِنْ " آياتِ الله " ولا يَجيْءُ فيه الخلافُ : وهو أنه يجوزُ أَنْ يكونَ في محلِّ نصبٍ مفعولاً ثانياً ؛ لأنَّ شرطَ ذلك أَنْ يقعَ بعدها ما لا يُسْمَعُ نحو : " سمعت زيداً يقرأ " . أمَّا إذا وقع بعدها ما يُسْمَعُ نحو : " سمعتُ قراءةَ زيدٍ يترنَّم بها " فهي متعدية لواحدٍ فقط ، والآياتُ مِمَّا يُسْمَعُ .

قوله : " ثم يُصِرُّ " قال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : ما معنى " ثم " في قوله : { ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً } ؟ قلت : كمعناه في قولِ القائل :

4029 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** يرى غَمَراتِ الموتِ ثم يزورُها

وذلك أنَّ غمراتِ الموتِ حقيقةٌ بأَنْ ينجوَ رائيها بنفسِه ويطلبَ الفِرارَ منها ، وأمَّا زَوْراتُها والإِقدامُ على مزاوَلَتِها فأمرٌ مُسْتَبْعَدٌ . فمعنى " ثم " الإِيذانُ بأنَّ فِعْلَ المُقْدِمِ عليها بعدما رآها وعاينها شيءٌ يُسْتَبْعَدُ في العاداتِ والطباعِ ، وكذلك آياتُ اللَّهِ الواضحةُ الناطقةُ بالحق . فَمَنْ تُلِيَتْ عليه وسَمِعها كان مُسْتَبْعَداً في القول إصرارُه على الضلالةِ عندها واستكبارُه عن الإِيمان بها " .

قوله : { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } هذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكون مستأنفةً ، وأَنْ تكونَ حالاً .