معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ} (4)

قوله تعالى : { إذ قال يوسف لأبيه } ، أي : أذكر إذ قال يوسف لأبيه ، ويوسف اسم عبري ، ولذلك لا يجري عليه الصرف وقيل هو عربي . سئل أبو الحسن الأقطع عن يوسف ؟ فقال : الأسف في اللغة : الحزن ، والأسيف : العبد ، واجتمعا في يوسف عليه السلام فسمي به .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل قال عبد الله بن محمد ، ثنا عبد الصمد ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم " .

قوله تعالى : { يا أبت } ، قرأ أبو جعفر وابن عامر { يا أبت } بفتح التاء في جميع القرآن على تقدير : يا أبتاه . والوجه أن أصله يا أبتا بالألف . وهي بدل عن ياء الإضافة ، فحذفت الألف كما تحذف التاء . فبقيت الفتحة تدل على الألف كما تبقى الكسرة تدل على الياء عند حذف الياء ، وقرأ ألآخرون : يا أبت بكسر التاء في كل القرآن والوجه أن أصله يا أبتي . فحذف الياء تخفيفا واكتفاء بالكسرة . لأن باب النداء حذف ، يدل على ذلك قوله { يا عباد فاتقون } . وقرأ الآخرون : يا أبت بكسر التاء ، لأن أصله : يا أبت ، والجزم يحرك إلى الكسر .

قوله تعالى :{ إني رأيت أحد عشر كوكباً } ، أي نجما من نجوم السماء ، ونصب الكواكب على التفسير . { والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } ولم يقل رأيتها إلي ساجدة ، والهاء والميم والياء والنون من كنايات من يعقل ، لأنه لما أخبر عنها بفعل من يعقل عبر عنها بكناية من يعقل كقوله تعالى : { يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم } [ النمل-18 ] . وكان النجوم في التأويل أخواته ، وكانوا أحد عشر رجلا ، يستضاء بهم كما يستضاء بالنجوم ، والشمس أبوه ، والقمر أمه . قاله قتادة . وقال السدي : القمر خالته ، لأن أمه راحيل كانت قد ماتت . وقال ابن جريج : القمر أبوه والشمس أمه لأن الشمس مؤنثة والقمر مذكر . وكان يوسف عليه السلام ابن اثنتي عشرة سنة حين رأى هذه الرؤيا . وقيل : رآها ليلة الجمعة ليلة القدر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ} (4)

{ 4 - 6 ْ } { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ* قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

واعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله أحسن القصص في هذا الكتاب ، ثم ذكر هذه القصة وبسطها ، وذكر ما جرى فيها ، فعلم بذلك أنها قصة تامة كاملة حسنة ، فمن أراد أن يكملها أو يحسنها بما يذكر في الإسرائيليات التي لا يعرف لها سند ولا ناقل وأغلبها كذب ، فهو مستدرك على الله ، ومكمل لشيء يزعم أنه ناقص ، وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحا ، فإن تضاعيف هذه السورة قد ملئت في كثير من التفاسير ، من الأكاذيب والأمور الشنيعة المناقضة لما قصه الله تعالى بشيء كثير .

فعلى العبد أن يفهم عن الله ما قصه ، ويدع ما سوى ذلك مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ينقل .

فقوله تعالى : { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ ْ } يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام : { يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ْ } فكانت هذه الرؤيا مقدمة لما وصل إليه يوسف عليه السلام من الارتفاع في الدنيا والآخرة .

وهكذا إذا أراد الله أمرا من الأمور العظام قدم بين يديه مقدمة ، توطئة له ، وتسهيلا لأمره ، واستعدادا لما يرد على العبد من المشاق ، لطفا بعبده ، وإحسانا إليه ، فأوَّلها يعقوب بأن الشمس : أمه ، والقمر : أبوه ، والكواكب : إخوته ، وأنه ستنتقل به الأحوال إلى أن يصير إلى حال يخضعون له ، ويسجدون له إكراما وإعظاما ، وأن ذلك لا يكون إلا بأسباب تتقدمه من اجتباء الله له ، واصطفائه له ، وإتمام نعمته عليه بالعلم والعمل ، والتمكين في الأرض .

وأن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب ، الذين سجدوا له وصاروا تبعا له فيها ، ولهذا قال :

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ} (4)

ثم حكى - سبحانه - قصة يوسف - عليه السلام - كمثال لأحسن القصص فقال - تعالى - { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ ياأبت إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } .

و { إذ } ظرف متعلق بمحذوف تقديره اذكر .

ويوسف : اسم أعجمى ، مشتق - كما يقول الآلوسى - من الأسف ، وسمى به لأسف أبيه عليه . وأبوه : هو يعقب بن إسحاق بن إبراهيم . وفى الحديث الصحيح عن ابن عمر - رضى الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم " .

وقوله : { ياأبت } أصله يا أبى ، فحذفت الياء وعوض عنها تاء التأنيث ، ونقلت إليها كسرة الباء ، ثم فتحت الباء لمناسبة تاء التأنيث .

والمعنى : اذكر - أيها الرسول الكريم أو أيها المخاطب - وقت أن قال يوسف لأبيه ، يا أبت إنى رأيت في منامى { أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً } تسجد لى : ورأيت كذلك { والشمس والقمر } لى { سَاجِدِينَ } .

ولم يدرج الشمس والقمر في الكواكب مع أنهما منها ، لإِظهار مزيتهما ورفعا لشأنهما ، وجملة { رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } مستأنفة لبيان الحالة التي رآهم عليها .

وأجريت هذه الكواكب مجرى العقلاء في الضمير المختص بها ، لوصفها بوصفهم حيث إن السجود من صفات العقلاء ، والعرب تجمع ما لا يعقلجمع من يعقل إذا أنزلوه منزلته .

قال ابن كثير : " وقد تكلم المفسرون على تبعير هذا المنام : أن الأحد عشر كوكبا عبارة عن إخوته ، وكانوا أحد عشر رجلا ، والشمس والقمر عبارة عن أبيه وأمه .

روى هذا عن ابن عباس ، والضحاك ، وقتادة وسفيان الثورى ، وعبد الرحمن بن زيد ، وقد وقع تفسيرها بعد أربعين سنة ، وقيل بعد ثمانين سنة ، وذلك حين رفع أبويه على العرش ، وهو سريره . وإخوته بين يديه . . وخروا له سجدوا وقال : يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل ، قد جعلها ربى حقا . . . " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ} (4)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يَأَبتِ إِنّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإن كنت يا محمد لمن الغافلين عن نبإ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، إذ قال لأبيه يعقوب بن إسحاق : { يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا } ، يقول : إني رأيت في منامي أحد عشر كوكبا . وقيل : إن رؤيا الأنبياء كانت وحيا .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : { إنّي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبا والشّمْسَ والقَمَرَ رأيْتُهُمْ لي ساجِدِينَ } ، قال : كانت رؤيا الأنبياء وحيا .

وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { إنّي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبا } ، قال : كانت الرؤيا فيهم وحيا .

وذكر أن الأحد العشر الكواكب التي رآها في منامه ساجدة مع الشمس والقمر ، ما :

حدثني عليّ بن سعيد الكندي ، قال : حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السديّ ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن جابر ، قال : أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم رجل من يهود يقال له بستانة اليهودي ، فقال له : يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدة له ، ما أسماؤها ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يجبه بشيء ، ونزل عليه جبرئيل ، وأخبره بأسمائها . قال : فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ، فقال : «هَلْ أنْتَ مُؤْمِنٌ إنْ أخْبَرْتُكَ بأسْمائها ؟ » ، قال : نعم ، فقال : «جَرْبانُ ، والطّارِقُ ، والذّيّالُ ، وذُو الكَتِفَينِ ، وقابسٌ ، وَوَثّابٌ ، وَعمودَانِ ، والفَلِيقُ ، والمُصْبَحُ ، والضّرُوحُ ، وَذو الفَرْغِ ، والضّياءُ ، والنورُ » . فقال اليهوديّ : والله إنها لأسماؤها .

وقوله : والشّمْسَ والقَمَرَ رأيْتُهُمْ لي ساجِدِينَ يقول : والشمس والقمر رأيتهم في منامي سجودا . وقال ساجِدِين والكواكب والشمس والقمر إنما يخبر عنها بفاعلة وفاعلات ، لا بالواو والنون ، إنما هي علامة جمع أسماء ذكور بني آدم أو الجنّ أو الملائكة . وإنما قيل ذلك كذلك ، لأن السجود من أفعال من يجمع أسماء ذكورهم بالياء والنون ، أو الواو والنون ، فأخرج جمع أسمائها مخرج جمع أسماء من يفعل ذلك ، كما قيل : { يا أيّها النّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ } . وقال : «رأيتهم » ، وقد قيل : { إني رأيت أحد عشر كوكبا } ، فكرّر الفعل ، وذلك على لغة من قال : كلمت أخاك كلمته ، توكيدا للفعل بالتكرير .

وقد قيل : إن الكواكب الأحد عشر كانت إخوته ، والشمس والقمر أبويه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إذْ قالَ يُوسُفُ لاَءَبِيهِ يا أبَتِ إنّي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبا } ، إخوته : أحد عشر كوكبا ، { والشمس والقمر } ، يعني بذلك : أبويه .

حدثني الحرث ، قال : ثني عبد العزيز ، قال : حدثنا شريك ، عن السديّ ، في قوله : { إنّي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبا والشّمْسَ والقَمَرَ . . . } ، الآية ، قال : رأى أبويه وإخوته سجودا له . فإذا قيل له : عمن ؟ قال : إن كان حقّا ، فإن ابن عباس فسره .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبا والشّمْسَ والقَمَرَ رأيْتُهُمْ لي ساجدِينَ } ، قال : الكواكب : إخوته ، والشمس والقمر : أبواه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { إنّي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبا } : إخوته ، { والشّمْسَ } : أمه ، { والقَمَرَ } : أبوه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : قال سفيان : كان أبويه وإخوته .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، قوله : { إنّي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبا } ، هم : إخوة يوسف ، { والشّمْسَ والقَمَر } ، هما : أبواه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يا أبَتِ إنّي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبا . . . . } ، الآية ، قال : أبواه وإخوته . قال : فنعاه إخوته وكانوا أنبياء ، فقالوا : ما رضي أن يسجد له إخوته حتى سجد له أبواه حين بلغهم .

ورُوى عن ابن عباس أنه قال : الكواكب إخوته ، والشمس والقمر : أبوه وخالته ، من وجه غير محمود ، فكرهت ذكره .