غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ} (4)

1

{ إذ قال } بدل اشتمال من أحسن القصص لأن الوقت مشتمل على القصص فإذاً قص وقته فقد قص المقصوص أو منصوب بإضمار " اذكر " . و{ يوسف } ليس عربياً على الأصح إذ لا سبب فيه بعد التعريف إلا العجمة فهو اسم عبراني ، ومن ظن أنه من آسف يؤسف بناء على أنه قرىء بكسر السين وبفتحها فيوجد فيه وزن الفعل أيضاً فقد أخطأ ، لأن القراءة المشهورة تأباه ولن يكون الاسم عربياً تارة وأعجمياً أخرى . وهذا الخلاف روي في " يونس " أيضاً . عن النبي صلى الله عليه وسلم " الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم " قال النحويون : التاء في { يا أبت } عوض من ياء الإضافة وهي للتأنيث لأنها قد تقلب هاء في الوقف . ويجوز إلحاق التاء بالمذكر نحو " حمامة " ذكر والكسرة فيه لمناسبة الياء التي هي بدل منها . والفتحة إما فتحة الياء فيمن يفتحها أو الفتحة الباقية بعد حذف الألف من ياء يا أبتا { إني رأيت } هو من الرؤيا التي تختص بالمنام لا من الرؤية التي تشمل اليقظة بدليل قول يعقوب له { ولا تقصص رؤياك } ولأن ذلك لو كان في اليقظة لكانت آية عظيمة ولم تخف على أحد . من قرأ { أحد عشر } بسكون العين فلكراهة توالي المتحركات فيما هو في حكم كلمة ، وكذا الى تسعة عشر إلا اثني عشر لئلا يلتقي ساكنان . قال في الكشاف : روى جابر أن يهودياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أخبرني عن النجوم التي رآهن يوسف . فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل فأخبره بذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي :إن أخبرتك هل تسلم ؟ قال : نعم . قال : جربان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين . رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له . فقال اليهودي : إي والله إنها لأسماؤها . وأقول : إن أكثر هذه الأسماء ليست مما اشتهر عند أهل الهيئة ، فإن صح الخبر فهي من العلوم التي تفرد بها الأنبياء . وإفراد الشمس والقمر من الكواكب بعد ذكرها دليل على شرفهما كقوله

{ وملائكته وجبريل وميكائيل } [ البقرة : 98 ] وإنما كرر الفعل لطول الكلام أو على تقدير سؤال كأنه قيل له : كيف رأيتها ؟ فقال : رأيتهم لي ساجدين . والظاهر أن هذه السجدة كانت بمعنى وضع الجبهة إذ لا مانع من حملها على الحقيقة لكنها كانت على وجه التواضع . وإنما أجريت الكواكب مجرى العقلاء في عود الضمير إليها لأن السجود من شأن العقلاء كقوله للأصنام : { وتراهم ينظرون إليك } [ الأعراف : 198 ] وعند الفلاسفة هم أحياء ناطقة فلا حاجة إلى العذر . عبر أبوه رؤياه بأن إخوته سيسجدون له وهم أحد عشر ، وكذا أبواه وهما الشمس والقمر . وقيل : هما أبوه وخالته لأن أمه لم تدخل مصر وتوفيت قبل ذلك . وعن وهب أن يوسف رأى - وهو ابن سبع سنين - أن إحدى عشرة عصاً طوالاً كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدارة التي حول القمر وهي الهالة ، وإذا عصا صغيرة وثبت عليها حتى اقتلعها وغلبتها فوصف ذلك لأبيه فقال : إياك أن تذكر هذا لإخوتك . ثم رأى - وهو ابن اثنتي عشرة سنة - الشمس والقمر والكواكب تسجد له فقصها على أبيه فقال له : لا تقصها عليهم فيبغوا لك الغوائل . وقيل : كان بين رؤيا يوسف ومسير إخوته إليه أربعون سنة . وقيل ثمانون . قال علماء التعبير : إن الرؤيا الردية يظهر أثرها عن قريب كيلا يبقى المؤمن في الغم والحزن ، والرؤيا الجيدة يبطىء أثرها لتكون بهجة المؤمن أدوم . قوله { فيكيدوا } منصوب بإضمار " أن " جواباً للنهي . واللام في { لك } لتأكيد الصلة مثل " نصحتك " و " نصحت لك " . وقال في الكشاف : ضمن الكيد معنى الاحتيال ليفيد معنى الفعلين فيكون أبلغ في التخويف . وقيل : متعلق بالمصدر الذي بعده .

/خ20