النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ} (4)

قوله عز وجل : { إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحَدَ عشر كوكباً والشمس والقمر } فيه قولان :

أحدهما : أنه رأى إخوته وأبويه ساجدين له فثنى ذكرهم ، وعنى بأحد عشر كوكباً إخوته وبالشمس أباه يعقوب ، وبالقمر أمه راحيل رآهم له ساجدين ، فعبر عنه بما ذكره ، قاله ابن عباس وقتادة .

الثاني : أنه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر ساجدين له فتأول الكواكب إخوته ، والشمس أباه ، والقمر أمه ، وهو قول الأكثرين . وقال ابن جريج : الشمس أمه والقمر أبوه ، لتأنيث الشمس وتذكير القمر .

وروى السدي عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود يقال له بستانة فقال : يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة له ما أسماؤها ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجب بشيء ، فنزل عليه جبريل بأسمائها قال فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وقال : " أنت تؤمن إن أخبرتك بأسمائها " فقال نعم ، فقال : " جريان ، والطارق والذيال وذو الكتفين وقابس والوثّاب والعمودان والفليق والمصبح والضروح وذو الفرع والضياء{[1410]} والنور " فقال اليهودي : بلى والله إنها لأسماؤها .

وفي إعادة قوله : { رأيتهم لي ساجدين }{[1411]} وجهان :

أحدهما : تأكيداً للأول لبعد ما بينهما ، قاله الزجاج .

الثاني : أن الأول رؤيته لهم والثاني رؤيته لسجودهم .

وفي قوله : { ساجدين } وجهان :

أحدهما : أنه السجود المعهود في الصلاة إعظاماً لا عبادة .

الثاني : أنه رآهم خاضعين فجعل خضوعهم سجوداً ، كقول الشاعر{[1412]} :

. . . . . . . . . . . . *** ترى الأكم فيه سُجّداً للحوافر{[1413]}

وقيل : إنه كان له عند هذه الرؤيا سبع عشرة{[1410]} سنة .


[1410]:هكذا في الأصل ولعل للكلام بقية سقطت وليس الضياء والنور اسمين للكواكب.
[1411]:قال ساجدين وهو جمع مذكر سالم للعقلاء ولم يقل ساجدة وذلك لأن السجود لا يكون إلا من العقلاء فنزل الشمس والقمر والكواكب منزلة العقلاء.
[1412]:هو زيد الخيل. والذي ذكر هو عجز البيت. وصدره: بجمع نضل البلق في حجراته.
[1413]:الأكم: الجبال الصغار، جعلها سجدا للحوافر لقهر الحوافر إياها وأنها لا تمتنع عليها.