وقوله : { يا أبَتِ } ، لا تقفْ عليها بالهاء وأنت خافض لها في الوصل ؛ لأن تلك الخَفْضة تدلّ على الإضافة إلى المتكلّم . ولو قرأ قارئ : ( يا أَبَتُ ) ، لجاز ، ( وكان الوقف على الهاء جائزاً . ولم يقرأ به أحد نعلمه . ولو قيل : يا أبَتَ ، لجاز ) الوقوف عليها ( بالهاء ) من جهة ، ولم يجز مِن أخرى . فأما جواز الوقوف على الهاء ، فأن تجعل الفتحة فيها من النداء ولا تنوى أن تصلها بألف الندبة ، فكأنه كقول الشاعر :
كِلِينِي لِهَمٍّ يا أُميمةَ ناصبِ *** . . .
وأما الوجه الذي لا يجوز الوقف على الهاء ، فأن تنوى : يا أبتاه ، ثم تحذف الهاء والألف ؛ لأنها في النِّيَّة متّصلة بالألف كاتّصالها في الخفض بالياء من المتكلّم .
وأَما وقوله : { إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً 4 } ،
فإن العرب تجعل العدد بين أحد عشر إلى تسعة عشر منصوباً في خفضه ورفعه . وذلك أنهم جَعلوا اسمين معروفين واحداً ، فلم يُضيفوا الأوَّل إلى الثاني فيخرجَ من معنى العدد . ولم يرفعوا آخره فيكونَ بمنزلة بعلبكّ إذا رفعوا آخرَها . واستجازوا أن يضيفوا ( بعل ) إلى ( بَكّ ) ؛ لأن هذا لا يُعرف فيه الانفصال من ذا ، والخمسة تنفرد من العشرة والعشرة من الخمسة ، فجعلوها بإعراب واحد ؛ لأن معناهما في الأصل هذه عشرة وخمسة ، فلما عُدِلا عن جهتهما أُعطيا إعراباً واحداً في الصرف كما كان إعرابهما واحداً قبل أن يُصرفا .
فأما نصب كوكب ، فإنه خرج مفسِّراً للنوع من كل عدد ليعرف ما أخبرْتَ عنه . وهو في الكلام بمنزلة قولك : عندي كذا وكذا درهما . خرج الدرهم مفسراً لكذا وكذا ؛ لأنها واقعة على كلّ شيء . فإذا أدخلت في أحد عشر الألف واللام أدخلتهما في أوَّلها ، فقلت : ما فعلت الخمسةَ عَشَرَ . ويجوز ما فعلت الخمسةَ العشرَ ، فأدخلت عليهما الألف واللام مرّتين لتوهّمهم انفصَال ذا من ذا في حال . فإن قلت : الخمسة العشرِ ، لم يجز ؛ لأن الأوّل غير الثاني ؛ ألا ترى أن قولهم : ما فعلت الخمسةُ الأثوابِ ، لمن أجازه ، تجد الخمسة هي الأثواب ولا تجد العشر الخمسة . فلذلك لم تصلح إضافته بألف ولام . وإن شئت أدخلت الألف واللام أيضاً في الدرهم الذي يخرج مفسراً ، فتقول : ما فعلت الخمسة العشر الدرهم ؟ . وإذا أضفت الخمسة العشر إلى نفسك رفعت الخمسة . فتقول : ما فعلت الخمسةُ عشرِي ؟ ، ورأيت خمسةَ عَشْرِي ، ( ومررت بخمسة عشرى ) ؛ وإنما عُرِّبت الخمسة لإضافتك العشر ، فلما أضيف العشر إلى الياء منك لم يسقم للخمسة أن تضاف إليها وبينهما عشر فأضيفت إلى عشر لتصير اسما ، كما صَار ما بعدها بالإضافة اسما . سمعتها من أَبى فَقْعَس الأَسَدىّ وأبى الهيثم العُقَيْليّ : ما فعلت خمسةُ عشرِك ؟ ولذلك لا يصلح للمفسر أن يصحبهما ؛ لأن إعرابيهما قد اختلفا . ب : اختلف ، وإنما يخرج الدرهم والكوكب مفسراً لهما جميعاً كما يخرج الدرهم من عشرين مفسراً لكلّها . فإذا أضفت العشرين دخلَتْ في الأسماء وبطل عنها التفسير . فخطأ أن تقول : ما فعلت عِشروك درهما ، أو خمسةُ عشرِك درهما . ومثله أنك تقول : مررت بضارب زيداً . فإذا أضفت الضارب إلى غير زيد لم يصلح أن يقع على زيد أبداً .
ولو نويت بخمسة عشر أن تضيف الخمسة إلى عشر في شعر لجاز ، فقلت : ما رأيت خمسةَ عشرٍ قطُّ خيراً منها ، لأنك نويت الأسماء ولم تنوِ العدد . ولا يجوز للمفسِّر أن يدخل ها هنا ، كما لم يجز في الإضافة ؛ أنشدني العُكْلىّ أبو ثرْوان :
كُلِّف من عَنائه وشِقْوتهْ *** بنت ثماني عَشرةٍ من حِجتَّهْ
ومن القُرَّاء من يسكّن العين من عَشرَ في هذا النوع كلّه ، إلاّ اثنا عشر . وذلك أنهم استثقلوا كثرة الحركات ، ووجدوا الألف في ( اثنا ) والياء في ( اثني ) سَاكنة فكرهوا تسكين العين وإلى جنبها ساكن ، ( ولا يجوز تسكين العين في مؤنّث العدد لأن الشين من عشرة يسكن ، فلا يستقيم تسكين العين والشين معاً ) .
وأما قوله : { رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } ، فإن هذه النون والواو إنما تكونان في جمع ذُكران الجنّ والإنس وما أشبههم . فيقال : الناس ساجدون ، والملائكة والجِنّ ساجدون : فإذا عدَوت هذا صار المؤنّث المذكّر إلى التأنيث . فيقال : الكِباش قد ذُبِّحن وذُبِّحت ومذبَّحات . ولا يجوز مذبّحون . وإنما جاز في الشمس والقمر والكواكب بالنون والياء ؛ لأنهم وُصفوا بأفاعيل الآدميين ، ( ألا ترى أن السجود والركوع لا يكون إلاّ من الآدميين فأُخرِج فعلهم على فعال الآدميَّين ) ، ومثله : { وَقَالُوا لِجُلودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُم عَلَيْنا } ، فكأنهم خاطبوا رجالا إذا كلّمتهم وكلّموها . وكذلك : { يَا أَيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ } ، فما أتاك مواقعاً لفعل الآدميين من غيرهم أجريتَه على هذا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.