وقرأ ابن عامر ، وأبو جعفر ، والأعرج : يا أبت بفتح التاء ، وباقي السبعة والجمهور بكسرها ، ووقف الابنان عليها بالهاء ، وهذه التاء عوض من ياء الإضافة فلا يجتمعان ، وتجامع الألف التي هي بدل من التاء قال : يا أبتا علك أو عساكا .
ووجه الاقتصار على التاء مفتوحة أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف ، أو رخم بحذف التاء ، ثم أقحمت قاله أبو علي .
أو الألف في أبتا للندبة ، فحذفها قاله : الفراء ، وأبو عبيد ، وأبو حاتم ، وقطرب .
ورد بأنه ليس موضع ندبة أو الأصل يا أبة بالتنوين ، فحذف والنداء ناد حذف قاله قطرب ، ورد بأنّ التنوين لا يحذف من المنادي المنصوب نحو : يا ضارباً رجلاً ، وفتح أبو جعفر ياء إني .
وقرأ الحسن ، وأبو جعفر ، وطلحة بن سليمان : أحد عشر بسكون العين لتوالي الحركات ، وليظهر جعل الاسمين اسماً واحداً .
ورأيت هي حلمية لدلالة متعلقها على أنه منام ، والظاهر أنه رأى في منامه كواكب الشمس والقمر .
وقيل : رأى إخوته وأبويه ، فعبر عنهم بذلك ، وعبر عن الشمس عن أمه .
وقيل : عن خالته راحيل ، لأنّ أمه كانت ماتت .
ومن حديث جابر بن عبد الله : أن يهودياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أخبرني عن أسماء الكواكب التي رآها يوسف ، فسكت عنه ، ونزل جبريل فأخبره بأسمائها ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودي فقال : هل أنت مؤمن إن أخبرتك بذلك ؟ فقال : نعم .
قال : جريان ، والطارق ، والذيال ، وذو الكتفين ، وقابس ، ووثاب ، وعمودان ، والفليق ، والمصبح ، والضروح ، والفرغ ، والضياء ، والنور .
فقال اليهودي : إي والله إنها لأسماؤها .
وذكر السهيلي مسنداً إلى الحرث بن أبي أسامة فذكر الحديث ، وفيه بعض اختلاف ، وذكر النطح عوضاً عن المصبح .
وعن وهب أن يوسف رأى وهو ابن سبع سنين أن إحدى عشرة عصاً طوالاً كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدارة ، وإذا عصا صغيرة تثب عليها حتى اقتلعتها وغلبتها ، فوصف ذلك لأبيه فقال : إياك أن تذكر هذا لإخوتك ، ثم رأى وهو ابن ثنتي عشرة سنة الشمس والقمر والكواكب سجوداً له فقصها على أبيه فقال له : لا تقصها عليهم فيبغوا لك الغوائل ، وكان بين رؤيا يوسف ومسير إخوته إليه أربعون سنة ، وقيل : ثمانون .
وروي أن رؤيا يوسف كانت ليلة القدر ليلة جمعة .
والظاهر أنّ الشمس والقمر ليسا مندرجين في الأحد عشر كوكباً ، ولذلك حين عدهما الرسول لليهودي ذكر أحد عشر كوكباً غير الشمس والقمر ، ويظهر من كلام الزمخشري أنهما مندرجان في الأحد عشر .
قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : لم أخر الشمس والقمر ؟ ( قلت ) : أخرهما ليعطفهما على الكواكب على طريق الاختصاص إثباتاً لفضلهما ، واستبدادهما بالمزية على غيرهما من الطوالع ، كما أخر جبريل وميكائيل عن الملائكة ثم عطفهما عليهما .
لذلك ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع ، أي : رأيت الكواكب مع الشمس والقمر انتهى .
والذي يظهر أن التأخير إنما هو من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى ، ولم يقع الترقي في الشمس والقمر جرياً على ما استقر في القرآن من أنه إذا اجتمعا قدمت عليه .
قال تعالى : { الشمس والقمر بحسبان } وقال : وجمع الشمس والقمر { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً } وقدمت عليه لسطوع نورها وكبر جرمها وغرابة سيرها ، واستمداده منها ، وعلو مكانها .
والظاهر أنّ رأيتهم كرر على سبيل التوكيد للطول بالمفاعيل ، كما كرر إنكم في قوله { إنكم مخرجون } لطول الفصل بالظرف وما تعلق به .
وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : ما معنى تكرار رأيتهم ؟ ( قلت ) : ليس بتكرار ، إنما هو كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جواباً له ، كان يعقوب عليه السلام قال له عند قوله : إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر ، كيف رأيتها سائلاً عن حال رؤيتها ؟ فقال : رأيتهم لي ساجدين انتهى .
وجمعهم جمع من يعقل ، لصدور السجود له ، وهو صفة من يعقل ، وهذا سائغ في كلام العرب ، وهو أنْ يعطى الشيء حكم الشيء للاشتراك في وصف ما ، وإن كان ذلك الوصف أصله أن يخص أحدهما .
والسجود : سجود كرامة ، كما سجدت الملائكة لآدم .
وقيل : كان في ذلك الوقت السجود تحية بعضهم لبعض .
ولما خاطب يوسف أباه بقوله : يا أبت ، وفيه إظهار الطواعية والبر والتنبيه على محل الشفقة بطبع الأبوة خاطبه أبوه بقوله : يا بني ، تصغير التحبيب والتقريب والشفقة .
وقرأ حفص هنا وفي لقمان ، والصافات : يا بني بفتح الياء .
وابن كثير في لقمان { يا بني لا تشرك } وقنبل يا بنيْ أقمْ بإسكانها ، وباقي السبعة بالكسر .
وقرأ زيد بن علي : لا تقص مدغماً ، وهي لغة تميم ، والجمهور بالفك وهي لغة الحجاز .
وقال الزمخشري : الرؤيا بمعنى الرؤية ، إلا أنها مختصة بما كان في النوم دون اليقظة ، فرق بينهما بحر في التأنيث كما قيل : القربة والقربى انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.