فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ} (4)

{ إذ } أي اذكر وقت أن { قال يوسف لأبيه } قرأ الجمهور يوسف بضم السين وقرئ بكسرها مع الهمز مكان الواو وحكى الواو وحكي الهمز وفتح السين وهو اسم عبراني منصرف للعلمية والعجمة وقيل هو عربي والأول أولى بدليل عدم صرفه وأبو يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم وعاش يوسف من العمر مائة وعشرين سنة ذكره السيوطي في التحبير .

{ يا أبت } بكسر تاء التأنيث اللفظي التي هي عوض عن ياء المتكلم المحذوف وأصله يا أبي وهذا التعويض مختص بلفظين يا أبت ويا أمت ولا يجوز في غيرهما من الأسماء وممن نص على كونها للتأنيث سيبويه والخليل ويدل عليه كتبهم إياها هاء وقياس من وقف بالتاء أن يكتبها تاء كبنت وأخت وجاز إلحاقها المذكر كما جاز حمامة ذكر وشاة ذكر ورجل ربعة وغلام يفعة .

{ إني رأيت } من الرؤيا النومية لا من الرؤية البصرية كما يدل عليه لا تقصص رؤياك على إخوتك قال ابن عباس : رؤيا الأنبياء حق وكانت هذه الرؤية ليلة الجمعة وكانت ليلة القدر فرأى أن أحد عشر كوكبا نزلت السماء ومعها الشمس والقمر فسجدوا له وكان يوسف إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة وقيل سبع عشرة وقيل سبع سنين .

{ أحد عشر كوكبا } وهي جريان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفلق والمصبح والصروخ والفرع ووثاب وذو الكتفين قاله البيضاوي وهذه نجوم غير مرصودة خصت بالرؤيا لغيبتهم عنه قاله الشهاب وورد في حديث أسماؤهما هكذا ساقه السيوطي في الدر المنثور وفيه الضعفاء والمتروكون وقال ابن الجوزي : هو موضوع ، قال ابن عباس : أحد عشر كوكبا إخوته والشمس أمه والقمر أبوه وعن قتادة والسدي وابن زيد نحوه .

{ والشمس والقمر } أخرهما عن الكواكب لإظهار مزيتهما وشرفهما كما في عطف جبريل وميكائيل على الملائكة وقيل أن الواو بمعنى مع { رأيتهم لي ساجدين } مستأنفة لبيان الحالة التي رآهم عليها كأن سائلا فقال كيف رأيتهم فأجاب بذلك .

وإنما أجرت مجرى العقلاء في الضمير المختص بهم لوصفها بوصف العقلاء وهو كونها ساجدة كذا وقال الخليل وسيبويه والعرب تجمع ما لا يعقل جمع من يعقل إذا نزلوا منزلته وقيل كررت للتأكيد لما طال الفصل بالمفاعيل والأول أولى وإليه نحا الزمخشري لأنه متى دار الكلام بين الحمل على التأكيد والتأسيس فحمله على الثاني أولى والمراد حقيقة السجود لأنه كان التحية فيما بينهم السجود وقيل المراد بالسجود تواضعهم له ودخولهم تحت أمره والأول أولى .

ولم تظهر رؤية يوسف إلا بعد أربعين سنة وهو قول أكثر المفسرين وقال الحسن البصري : كان بينهما ثمانون حين اجتمع عليه أبواه وإخوته وخروا له ساجدين .