قوله تعالى : { وجاءت سكرة الموت } غمرته وشدته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله ، { بالحق } أي بحقيقة الموت ، وقيل : بالحق من أمر الآخرة حتى يتبينه الإنسان ويراه بالعيان . وقيل : بما يؤول إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاوة . ويقال لمن جاءته سكرة الموت : { ذلك ما كنت منه تحيد } تميل ، قال الحسن : تهرب . قال ابن عباس : تكره ، وأصل الحيد الميل ، يقال : حدت عن الشيء أحيد حيداً ومحيداً : إذا ملت عنه .
{ 19-22 } { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ }
أي { وَجَاءَتْ } هذا الغافل المكذب بآيات الله { سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } الذي لا مرد له ولا مناص ، { ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ } أي : تتأخر وتنكص{[826]} عنه .
ثم بين - سبحانه - حالة الإِنسان عند الاحتضار فقال : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } . أى . وجاءت لكل إنسان سكرة الموت وشدنته وغرمته وكرتبه ، ملتبسة بالحق الذى لا شك فيه ولا باطل معه { ذَلِكَ } أى : الموت الذى هو نهاية كل حى { مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } أى : تميل وتهرب وتفر منه فى يحاتك . يقال : حاد فلان عن الشئ يَحِيدُه حَيْدَةً . . إذا تنحى عنه وابتعد .
أخرج الإِمام أحمد وابن جرير عن عبد الله مولى الزبير بن العوام قال : لما حضر أبو بكر الموت ، بكت ابنته عائشة ، وتمثلت بقول الشاعر :
لعمرك ما يغنى الحذار عن الفتى . . . إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقال لها أبو بكر - رضى الله عنه - : لا تقولى ذلك يا بنتى ، ولكن قولى : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصّورِ ذَلِكَ يَوْمَ الْوَعِيدِ } .
وفي قوله : وَجاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بالحَقّ وجهان من التأويل ، أحدهما : وجاءت سكرة الموت وهي شدّته وغلبته على فهم الإنسان ، كالسكرة من النوم أو الشراب بالحقّ من أمر الاَخرة ، فتبينه الإنسان حتى تثبته وعرفه . والثاني : وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت .
وقد ذُكر عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه كان يقرأ «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الحَقّ بالمَوْتِ » . ذكر الرواية بذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن واصل ، عن أبي وائل ، قال : لما كان أبو بكر رضي الله عنه يقضي ، قالت عائشة رضي الله عنها هذا ، كما قال الشاعر :
*** إذَا حَشْرَجَتْ يَوْما وَضَاقَ بِها الصّدْرُ ***
فقال أبو بكر رضي الله عنه : لا تقولي ذلك ، ولكنه كما قال الله عزّ وجلّ : وَجاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بالحَقّ ذلكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ . وقد ذُكر أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود . ولقراءة من قرأ ذلك كذلك من التأويل وجهان : :
أحدهما : وجاءت سكرة الله بالموت ، فيكون الحقّ هو الله تعالى ذكره . والثاني : أن تكون السكرة هي الموت أُضيفت إلى نفسها ، كما قيل : إنّ هذَا لهُوَ حَقّ اليَقِينِ . ويكون تأويل الكلام : وجاءت السكرةُ الحقّ بالموت .
وقوله : ذلكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ يقول : هذه السكرة التي جاءتك أيها الإنسان بالحقّ هو الشيء الذي كنت تهرب منه ، وعنه تروغ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.