معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَقَدۡ بَلَغَنِيَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِي عَاقِرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكَ ٱللَّهُ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ} (40)

قوله تعالى : { قال رب } أي يا سيدي ، قال لجبريل عليه السلام ، هذا قول الكلبي وجماعة ، وقيل : قاله لله عز وجل .

قوله تعالى : { أنى يكون } يعني أين يكون ؟

قوله تعالى : { لي غلام } أي ابن .

قوله تعالى : { وقد بلغني الكبر } . هذا من المقلوب ، أي وقد بلغت الكبر وشخت ، كما تقول : بلغني الجهد أي أنا في الجهد . وقيل : معناه وقد نالني الكبر ، وأدركني ، وأضعفني ، قال الكلبي : كان زكريا يوم بشر بالولد ابن اثنتين وتسعين سنة ، وقيل :ابن تسع وتسعين سنة ، وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان ابن عشرين ومائة سنة ، وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة ، فذلك

قوله تعالى : { وامرأتي عاقر } أي عقيم لا تلد ويقال رجل عاقر وامرأة عاقر ، وقد عقر بضم القاف يعقر عقراً وعقارة .

قوله تعالى : { ويفعل الله ما يشاء } . فإن قيل : لم قال زكريا بعدما وعده الله تعالى أنى يكون لي غلام ؟ أكان شاكاً في وعد الله وفي قدرته ؟قيل إن زكريا لما سمع نداء الملائكة جاء الشيطان فقال : يا زكريا إن الصوت الذي كنت تسمعه ليس هو من الله إنما هو من الشيطان ، ولو كان من الله لأوحاه إليك كما يوحي عليك في سائر الأحوال ، فقال ذلك دفعاً للوسوسة ، قاله عكرمة والسدي : وجواب آخر وهو : انه لم يشك في وعد الله إنما شك في كيفيته ، أي كيف ذلك ؟ أتجعلني وامرأتي شابين ؟ أم ترزقنا ولدا على الكبر منا ؛ أم ترزقني من امرأة أخرى قاله مستفهما لا شاكا ، هذا قول الحسن .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَقَدۡ بَلَغَنِيَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِي عَاقِرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكَ ٱللَّهُ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ} (40)

فقال زكريا من شدة فرحه { رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر } وكل واحد من الأمرين مانع من وجود الولد ، فكيف وقد اجتمعا ، فأخبره الله تعالى أن هذا خارق للعادة ، فقال : { كذلك الله يفعل ما يشاء } فكما أنه تعالى قدر وجود الأولاد بالأسباب التي منها التناسل ، فإذا أراد أن يوجدهم من غير ما سبب فعل ، لأنه لا يستعصي عليه شيء .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَقَدۡ بَلَغَنِيَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِي عَاقِرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكَ ٱللَّهُ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ} (40)

ثم حكى القرآن بعد ذلك ما قاله زكريا بعد أن ساقت له الملائكة تلك البشارات السارة فقال - تعالى : { قَالَ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر وامرأتي عَاقِرٌ } أنى هنا بمعنى كيف . و " عاقر " أى عقيم لا تلد لكبر سنها من العقر وهو العقم . يقال عقرت المرأة تعقر عقراً وعقراً فهي عاقر إذا بلغت سن اليأس من الولادة . أى قال زكريا على سبيل التعجب بعد أن نادته الملائكة وبشرته بما بشرته به : يا رب كيف يكون لي غلام والحال أنني قد أدركني الكبر الكامل الذى أضعفنى ، وفوق ذلك فإن امرأتى عاقر أى عقيم لا تلد لشيخوختها وبلوغها العمر الذى ينقطع معه النسل ؟

قال بعضهم : وإنما قال ذلك استفهاما عن كيفية حدوث الحمل ، أو استبعادا من حيث العادة ، أو استعظاماً وتعجبا من قدرة الله - تعالى - لا استبعادا أو إنكارا فلا يرد : كيف قال زكريا ذلك ولم يكن شاكاً في قدرة الله - تعالى - .

والجملة الكريمة استئناف مبنى على سؤال مقدر ، كأنه قيل : فماذا قال زكريا عندما بشرته الملائكة ؟ فكان الجواب : قال رب أنى يكون لي غلام .

وقد خاطب زكريا ربه مع أن النداء له صدر من الملائكة ، للإشعار بالمبالغة في التضرع وأنه قد طرح الوسائط واتجه إلى خالقه مباشرة يشكره ويظهر التعجب من قدرته لأنه - سبحانه - أعطاه ما لم تجر العادة به .

قال الألوسي وقوله { يَكُونُ } يجوز أن تكون من كان التامة فيكون فاعلها هوقوله { غُلاَمٌ } ويكون الظرف { أنى } والجار والمجرور { لِي } متعلقان بها .

ويجوز أن تكون من كان الناقصة و { لِي } متعلق بمحذوف وقع حالا لأنه لو تأخر لكان صفة . وفى الخبر حينئذ وجهان : أحدهما { أنى } لأنها بمعنى كيف أو من أين والثانى الخبر الجار والمجرور { أنى } منصوب على الظرفية " .

وقوله { وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر } جملة حالية من ياء المتكلم ، أي أصابني الكبر وأدركني فأضعفني وأفقدني قوتي .

والكبر مصدر كبر الرجل إذا أسن . وقد قال زكريا { وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر } ولم يقل وقد بلغت الكبر للإشارة إلى أن الكبر قد تابعه ولازمه حتى أصابه بالضعف والآلام والأسقام .

وقوله { وامرأتي عَاقِرٌ } جملة حالية أيضاً إما من ياء { لِي } أو ياء { بَلَغَنِي } .

فأنت ترى أن زكريا - عليه السلام - قد أظهر التعجب عندما بشرته الملائكة بغلامه يحيى لأنه كان شيخا مسنا ولأن امرأته كانت عقيما لا تلد إما لكبر سنها - أيضاً وإما لأنها من الأصل كانت على غير استعداد للحمل والإنجاب .

قال ابن عباس : كان زكريا يوم بشر بيحيى ابن عشرين ومائة سنة وكانت أمرأته بنت ثمان وتسعين سنة " .

ثم حكى القرآن أن الله تعالى قد رد على زكريا بما يزيل عجبه ويمنع حيرته فقال تعالى ، { قَالَ كَذَلِكَ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } .

أى قال - سبحانه - : مثل ذلك الفعل العجيب والصنع البديع الذى رأيته من أن يكون لك غلام وأنت شيخ كبير وامرأتك عاقر مثل ذلك الفعل يفعل الله ما يشاء أن يفعله ، لأنه - سبحانه - هو خالق الأسباب والمسببات ولا يعجزه شىء في هذا الكون ، وبقدرته أن يغير ما جرت به العادات بين الناس .

فالجملة الكريمة بجانب تضمنها إقناع زكريا وإزالة عجبه ، تتضمن أيضاً تقرير قضية عامة وهى أن الله - تعالى - يفعل ما يشاء أن يفعله بدون تقيد بالأسباب والمسببات والعادات فهو الفعال لما يريد .