نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَقَدۡ بَلَغَنِيَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِي عَاقِرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكَ ٱللَّهُ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ} (40)

فكأنه قيل : فما قال حين أجابه ربه سبحانه وتعالى ؟ فقيل : { قال } يستثبت بذلك{[16608]} ما{[16609]} يزيده طمأنينة{[16610]} ويقيناً وسكينة{[16611]} { رب } أي{[16612]} أيها المحسن إلي .

ولما كان مطلوبه ولداً يقوم مقامه فيما هو فيه{[16613]} من النبوة التي لا يطيقها إلا الذكور{[16614]} الأقوياء الكملة{[16615]} ، وكانت {[16616]}العادة قاضية بأن ولد الشيخ يكون ضعيفاً لا سيما إن كان حرثه مع الطعن في السن في أصله غير قابل للزرع أحب أن يصرح له بمطلوبه فقال : { أنّى } أي كيف ومن أين { يكون لي } وعبر بما تدور مادته على الغلبة والقوة زيادة في الكشف فقال : { غلام } وفي{[16617]} تعبيره به في سياق الحصور{[16618]} دليل على أنه في غاية ما يكون من صحة الجسم وقوته اللازم منه شدة الداعية إلى النكاح ، وهو مع ذلك يمنع نفسه منه{[16619]} منعاً زائداً على الحد ، لما عنده من غلبة الشهود اللازم منه {[16620]}الإقبال على العبادة{[16621]} بكليته والإعراض عن كل ما يشغل عنها جملة لا سيما النكاح ، بحيث يظن{[16622]} أنه لا إرب له فيه ، وهذا موافق للتعبير الأول للحصور في القاموس ، وهو الذي ينبغي ألا{[16623]} يعرج على غيره لأنه بناء مبالغة من متعد ، ولأنه أمدح له صلى الله عليه وسلم ، ومهما دار الشيء على صفة الكمال في الأنبياء عليهم السلام وجب أن لا يعدل عنه ، وما ورد{[16624]} - كما يأتي إن شاء الله تعالى في سورة مريم عليها السلام - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" ذكره مثل هذه{[16625]} القذاة " فقد ضعفوه ، وعلى تقدير صحته{[16626]} فيكون ذلك إخباراً{[16627]} عن أنه لما أعرض عنه رأساً ضعف ما معه لذلك ، فهو إخبار عن آخر أمره الذي أدت إليه عزيمته ، والآية مشيرة إلى ما اقتضته خلقته وغريزته وإن كان الجمع لكمال{[16628]} الوجود الإنساني بالنكاح أكمل كما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم ويقع لعيسى عليه السلام بعد نزوله { وقد } أي والحال أنه قد { بلغني الكبر } إلى حد لا يولد فيه عادة { وامرأتى عاقر } قال الحرالي : من العقر وهو البلوغ إلى حد انقطاع النسل هرماً{[16629]} - انتهى ؛ كذا قال ، وآية سورة مريم تدل{[16630]} على أن المعنى أنها لم تزل عقيماً ، وعليه يدل كلام أهل اللغة ، قال في القاموس في الراء{[16631]} : العقرة وتضم{[16632]} : العقم ، وقد عُقرت كعُنى{[16633]} فهي عاقر{[16634]} ، ورجل عاقر وعقير : لا يولد له ولد{[16635]} ، والعُقَرة{[16636]} كهمزة : خرزة تحملها المرأة لئلا تلد ، وقال في الميم : العقم بالضم : هزمة تقع في الرحم فلا تقبل{[16637]} الولد ، عقمت كفرح ونصر{[16638]} وكرم{[16639]} وعُنى ، ورحم{[16640]} عقيم وامرأة عقيم ورجل عقيم{[16641]} : لا يولد له ، وقال الإمامان أبو عبد الله القزاز في ديوانه وعبد الحق في واعيه : والعقر بضم العين وسكون القاف مصدر العاقر من النساء وهي التي لا تحمل من غير داء ولا كبر ، يقال : امرأة عاقر ، وبها عقر ، سميت بذلك كأن في رحمها عقرا يمنعها من الولادة ، وقال الإمام{[16642]} أبو غالب{[16643]} " ابن التياني{[16644]} " في كتابه الموعب{[16645]} صاحب [ تلقيح ] العين{[16646]} : العقر مصدر العاقر من النساء وهي التي لا تحمل{[16647]} من غير داء ولا كبر ، لكن خلقة ، ثم قال{[16648]} وتعقرت : إذا ولدت ثم أمسكت - والله الموفق .

ثم وصل به قوله : { قال كذلك } أي مثل هذا الفعل الجليل البعيد{[16649]} الرتبة . ولما كان استنباؤه عن القوة والكمال لا عن الخلق عبر سبحانه في تعليل ذلك بالفعل بخلاف ما يأتي في قصة مريم عليها السلام فقال : { الله يفعل ما يشاء * } لأنه المحيط بكل شيء قدرة وعلماً .


[16608]:ن ظ، وفي الأصل ومد: ذلك.
[16609]:ي الأصول: بما.
[16610]:ي ظ: وتعينا ويعينه، وفي مد: وقببا وسكينة ـ كذا.
[16611]:في ظ: وتعينا ويعينه، وفي مد: وقببا وسكينة ـ كذا.
[16612]:قط من ظ، وزيد قبله في مد: إني.
[16613]:يد من ظ ومد.
[16614]:يدت الواو بعده في ظ.
[16615]:قط من ظ، وفي مد: الكلمة.
[16616]:من هنا إلى "لأنه وقت" ص 317 أسسنا المتن على ظ لكون الأصل في غاية الانطماس.
[16617]:قط من مد.
[16618]:ن مد، وفي ظ: المحصور.
[16619]:يد من مد.
[16620]:ن مد، وفي ظ: عن.
[16621]:ن مد، وفي ظ: العادة.
[16622]:سقط من مد.
[16623]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[16624]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[16625]:ن مد، وفي ظ: هذا.
[16626]:ن مد، وفي ظ: صحبته.
[16627]:ن مد، وفي ظ: أجنادا.
[16628]:ن مد وفي ظ: بكماله.
[16629]:ن مد، وفي ظ: منها.
[16630]:ن مد، وفي ظ: فدل.
[16631]:ن مد، وفي ظ: الزاء.
[16632]:ن القاموس، وفي ظ: بضم، وفي مد: يضم.
[16633]:ن القاموس، وفي ظ ومد: يعنى.
[16634]:ن القاموس ومد، وفي ظ: فهو.
[16635]:يد من القاموس.
[16636]:ن القاموس، وفي ظ ومد: كثمرة جوزه.
[16637]:ن القاموس، وفي ظ ومد: يقبل.
[16638]:ي مد: عقم.
[16639]:ن القاموس ومد، وفي ظ: يصر.
[16640]:ن القاموس ومد، وفي ظ: غير ودحم ـ كذا.
[16641]:يد من اللسان ومد.
[16642]:يد من مد.
[16643]:ن معجم المؤلفين 3/92، وفي ظ: المتاني ـ كذا، وفي مد: ابن التباني.
[16644]:من معجم المؤلفين 3/92، وفي ظ: المتاني ـ كذا، وفي مد: ابن التباني.
[16645]:ن مد والمعجم، وفي ظ: الموجب.
[16646]:أي صاحب تلقيح العين، كما في المعجم وكشف الظنون.
[16647]:يد بعدخ في ظ: من النساء، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[16648]:زيد من مد.
[16649]:من مد، وفي ظ: العد ـ كذا.