فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَقَدۡ بَلَغَنِيَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِي عَاقِرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكَ ٱللَّهُ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ} (40)

( قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر ) ظاهر هذا أن الخطاب منه لله سبحانه ، وإن كان الخطاب الواصل إليه هو بواسطة الملائكة ، وذلك لمزيد التضرع والجهد في طلب الجواب عن سؤاله ، وقيل إنه أراد بالرب جبريل أي يا سيدي .

وقيل في معنى هذا الاستفهام وجهان ( أحدهما ) أنه سأل هل يرزق هذا الولد من امرأته العاقر أو من غيرها ، وقيل معناه بأي سبب أستوجب هذا و أنا وامرأتي على هذه الحال .

والحاصل انه استبعد حدوث الولد منهما مع كون العادة قاضية بأنه لا يحدث من مثلهما لأنه كان يوم التبشير كبيرا قيل في تسعين سنة ، وقيل في عشرين ومائة سنة ، وكانت امرأته في ثمان وتسعين سنة ، ولذلك جعل الكبر كالطلب له لكونه طليعة من طلائع الموت ، فأسند الفعل إليه ، والعاقر التي لا تلد أي ذات عقر على النسب ، ولو كان على الفعل لقال عقيرة أي بها عقر يمنعها من الولد .

وإنما وقع منه هذا الاستفهام بعد دعائه بأن يهب الله له ذرية طيبة ومشاهدته لتلك الآية الكبرى في مريم ، استعظاما لقدرة الله سبحانه ، لا لمحض الاستبعاد وقيل أنه قد مر بعد دعائه إلى وقت بشارتها أربعون سنة ، وقيل عشرون سنة فكان الاستبعاد من هذه الحيثية .

( قال كذلك الله يفعل ما يشاء ) من الأفعال العجيبة مثل ذلك الفعل ، وهو إيجاد الولد من الشيخ الكبير والمرأة العاقر .