غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَقَدۡ بَلَغَنِيَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِي عَاقِرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكَ ٱللَّهُ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ} (40)

35

ثم إن الملائكة لما نادوه بما نادوه قال زكريا مخاطباً لله تعالى ومناجياً إياه { رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر } أدركتني السنون العالية وأثر فيّ طول العمر وأضعفني . قال أهل اللغة : كل شيء صادفته وبلغته فقد صادفك وبلغك وذلك إذا أمكن تصور الطلب من الجانبين . فيجوز بلغت الكبر وبلغني الكبر لأن الكبر كالشيء الطالب للإنسان فهو يأتيه بحدوثه فيه . والإنسان أيضاً يأتيه بمرور العمر عليه . ولا يجوز بلغني البلد في موضع بلغت البلد لأن البلد ليس كالطالب للإنسان الذاهب . { وامرأتي عاقر } هي من الصفات الخاصة بالنساء . ويقال : رمل عاقر لا ينبت شيئاً . فإن قيل : لما كان زكريا هو الذي سأل الولد ثم أجابه الله تعالى إلى ذلك فما وجه تعجبه واستبعاده بقوله : { أنى يكون } من أين يحصل لي غلام ؟ فالجواب على ما في الكشاف أن الاستبعاد إنما جاء من حيث العادة . وقيل : إنه دهش من شدة الفرح فسبق لسانه . ونقل عن سفيان بن عيينة أن دعاءه كان قبل البشارة بستين سنة ، فكان قد نسي ذلك السؤال وقت البشارة ، فلما سمع البشارة في زمان الشيخوخة استغرب وكان له يومئذٍ مائة وعشرون سنة أو تسع وتسعون ولامرأته ثمان وتسعون ، وعن السدي أن الشيطان جاءه عند سماع البشارة قال : إن هذا النداء من الشيطان وقد سخر منك فاشتبه عليه الأمر ولا سيما أنه كان من مصالح الدنيا ولم يتأكد بالمعجزة فرجع إلى إزالة ذلك الخاطر فسأل ما سأل . والجواب المعتمد أن زكريا لم يسأل عما سأل استبعاداً وتشككاً في قدرة الله تعالى ، وإنما أراد تعيين الجهة التي بها يحصل الولد ، فإن الجهة المعتادة كانت متعذرة عادة لكبره وعقارتها فأجيب بقوله : { كذلك الله يفعل ما يشاء } وهو إما جملة واحدة أي الله يفعل ما يشاء من الأفعال العجيبة مثل ذلك الفعل وهو خلق الولد بين الشيخ الفاني والعجوز العاقر ، أو جملتان فيكون { كذلك الله } مبتدأ وخبراً أي على نحو هذه الصفة الله و{ يفعل ما يشاء } بياناً له أي يفعل ما يريد من الأفاعيل الخارقة للعادات .

/خ41