معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (9)

قوله تعالى : { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } يوم الأحد والاثنين . { وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين* }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (9)

وقوله : أئِنّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وذلك يوم الأحد ويوم الاثنين وبذلك جاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالته العلماء ، وقد ذكرنا كثيرا من ذلك فيما مضى قبل ، ونذكر بعض ما لم نذكره قبل إن شاء الله . ذكر بعض ما لم نذكره فيما مضى من الأخبار بذلك :

حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي سعيد البقال ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : هناد : قرأت سائر الحديث على أبي بكر أن اليهود أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السموات والأرض ، قال : «خَلَقَ اللّهُ الأرْضَ يَوْمَ الأحَدِ وَالاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ الجِبالَ يَوْمَ الثّلاثاءِ ومَا فِيهِنّ مِنْ منَافِعَ ، وَخَلَقَ يَوْمَ الأرْبَعاءِ الشّجَرَ والمَاءَ والمَدَائِنَ والعُمْرَانَ والخَرَابَ ، فَهَذِهِ أرْبَعَةٌ ، ثُمّ قال : أئِنّكُمْ لَتَكْفُرونَ بالّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ، وَتَجْعَلُونَ لَهُ أنْدَادا ، ذلكَ رَبّ العَالَمِينَ ، وَجَعَلَ فِيها رَوَاسي مِنْ فَوْقِها وبَارَكَ فِيها ، وَقَدّرَ فِيها أقْوَاتَها في أرْبَعَةِ أيّامٍ سَوَاءً للسّائلِيِنَ لِمَنْ سأَلَ . قالَ : وَخَلَقَ يَوْمَ الخَمِيسِ السّماءَ ، وخَلَقَ يَوْمَ الجُمُعَةِ النّجُومَ والشّمْسَ والقَمَرَ وَالمَلائِكَةِ إلى ثَلاثَ ساعاتٍ بَقِيَتْ مِنْهُ فَخَلَقَ في أوّلِ ساعَةٍ مِنْ هَذِهِ الثّلاثَةِ الاَجالَ حِينَ يَمُوتُ مَنْ ماتَ ، وفي الثّانِيَةِ ألْقَى الاَفَةَ على كُلّ شَيْءً مِمّا يَنْتَفِعُ بِهِ النّاسُ ، وفي الثّالِثَةِ آدَمَ وأسْكَنَهُ الجَنّةَ ، وأمَرَ إبْلِيسَ بالسّجُودِ لَهُ ، وأخْرَجَهُ مِنْها في آخِرِ ساعَةٍ » قالت اليهود : ثم ماذا يا محمد ؟ قال : «ثُمّ اسْتَوَى على العَرْشِ » ، قالوا : قد أصبت لو أتممت ، قالوا ثم استراح فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ، فنزل : وَلَقَدْ خَلَقْنا السّمَوَاتِ والأرْضَ وَمَا بَيْنَهُما فِي سِتّةِ أيّامٍ وَما مَسّنا مِنْ لَغُوبٍ فاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ .

حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن غالب بن غلاب ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، قال : إن الله خلق يوما واحدا فسماه الأحد ، ثم خلق ثانيا فسماه الاثنين ، ثم خلق ثالثا فسماه الثلاثاء ، ثم خلق رابعا فسماه الأربعاء ، ثم خلق خامسا فسماه الخميس قال : فخلق الأرض في يومين : الأحد والاثنين ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء ، فذلك قول الناس : هو يوم ثقيل ، وخلق مواضع الأنهار والأشجار يوم الأربعاء ، وخلق الطير والوحوش والهوامّ والسباع يوم الخميس ، وخلق الإنسان يوم الجمعة ، ففرغ من خلق كلّ شيء يوم الجمعة .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ في الأحد والاثنين .

وقد قيل غير ذلك وذلك ما :

حدثني القاسم بن بشر بن معروف والحسين بن عليّ قالا : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال أخبرني إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع مولى أمّ سلمة ، عن أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال : «خَلَقَ اللّهُ التّرْبَةَ يَوْمَ السّبْتِ ، وَخَلَقَ فِيها الجِبالَ يَوْمَ الأحَدِ ، وَخَلَقَ الشّجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ المَكْرُوهُ يَوْمَ الثّلاثاءِ ، وَخَلَقَ النّورَ يَوْمَ الأرْبِعاءِ ، وَبَثّ فِيها الدّوَابّ يَوْمَ الخَمِيسِ ، وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ العَصْرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ آخِرِ خَلْق في آخرِ ساعَةٍ مِنْ ساعاتِ الجُمُعَةِ فِيما بَينَ العَصْرِ إلى اللّيْلِ » .

وقوله : وَتَجْعَلُونَ لَهُ أنْدَادا يقول : وتجعلون لمن خلق ذلك كذلك أندادا ، وهم الأكفاء من الرجال تطيعونهم في معاصي الله ، وقد بيّنا معنى الندّ بشواهده فيما مضى قبل .

وقوله : ذَلكَ رَبّ العَالمِينَ يقول : الذي فعل هذا الفعل ، وخلق الأرض في يومين ، مالك جميع الجن والإنس ، وسائر أجناس الخلق ، وكلّ ما دونه مملوك له ، فكيف يجوز أن يكون له ند ؟ هل يكون المملوك العاجز الذي لا يقدر على شيء ندّا لمالكه القادر عليه ؟

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (9)

وقد تقدم القول غير مرة في نظير قوله : { أئنكم } .

واختلف رواة الحديث في اليوم الذي ابتدأ الله تعالى فيه خلق الأرض ، فروي عن ابن عباس وغيره : أن أول يوم هو الأحد ، وأن الله تعالى خلق فيه وفي الاثنين : الأرض ، ثم خلق الجبال ونحوها يوم الثلاثاء . قال ابن عباس فمن هنا قيل : هو يوم ثقيل . ثم خلق الشجر والثمار والأنهار يوم الأربعاء ، ومن هنا قيل : هو يوم راحة وتفكر في هذه التي خلقت فيه . ثم خلق السماوات وما فيها يوم الخميس ويوم الجمعة ، وفي آخر ساعة من يوم الجمعة : خلق آدم . وقال السدي : وسمي يوم الجمعة لاجتماع المخلوقات فيه وتكاملها ، فهذه رواية فيها أحاديث مشهورة . ولما لم يخلق تعالى في يوم السبت شيئاً امتنع فيه بنو إسرائيل عن الشغل . ووقع في كتاب مسلم بن الحجاج : أن أول يوم خلق الله فيه التربة يوم السبت ، ثم رتب المخلوقات على ستة أيام ، وجعل الجمعة عارياً من المخلوقات على ستة أيام إلا من آدم وحده . والظاهر من القصص في طينة آدم أن الجمعة التي خلق فيها آدم قد تقدمتها أيام وجمع كثيرة ، وأن هذه الأيام التي خلق الله فيها هذه المخلوقات هي أول الأيام ، لأن بإيجاد الأرض والسماء والشمس وجد اليوم ، وقد يحتمل أن يجعل تعالى قوله : { يومين } على التقدير ، وإن لم تكن الشمس خلقت بعد ، وكأن تفصيل الوقت يعطي أنها الأحد ويوم الاثنين كما ذكر . والأنداد : الأشباه والأمثال ، وهذه إشارة إلى كل ما عبد من الملائكة والأصنام وغير ذلك . قال السدي : أكفاء من الرجال تطيعونهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (9)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"أئِنّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ"...

وقوله: "وَتَجْعَلُونَ لَهُ أنْدَادا "يقول: وتجعلون لمن خلق ذلك كذلك أندادا، وهم الأكفاء من الرجال تطيعونهم في معاصي الله، وقد بيّنا معنى الندّ بشواهده فيما مضى قبل.

وقوله: "ذَلكَ رَبّ العَالمِينَ "يقول: الذي فعل هذا الفعل، وخلق الأرض في يومين، مالك جميع الجن والإنس، وسائر أجناس الخلق، وكلّ ما دونه مملوك له، فكيف يجوز أن يكون له ند؟ هل يكون المملوك العاجز الذي لا يقدر على شيء ندّا لمالكه القادر عليه؟

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يخرّج قوله: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} الآية؟

الثاني: أإنكم لتكفرون، وتنكرون قدرته على البعث، وقد خلق الأرض في يومين [بُعد] أطرافها وسعتها؟ فكيف تنكرون قدرته على البعث، وقد رأيتم قدرته على خلق ما ذكر؟

والثالث: أإنكم لتكفرون نعم الله التي أنعمها عليكم من خلق ما ذكر من الأرض وغيرها وما أنعم عليكم من بعث الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف تصرفون شكرها إلى غير الذي لم يفعل ذلك لكم؟ وتنكرون رسالة رسوله؟ ولا بد من رسول يرسل إليكم، وذلك من أعظم النّعم وأجلّها.

ويخرّج تأويل الآية على هذه الوجوه التي ذكرنا:

أحدها: في إنكار وحدانية الله وألوهيته.

والثاني: في إنكار قدرته على البعث. والثالث: في إنكارهم رسالة الرسول وصرفهم شكر نعمه إلى غيره بعبادتهم غير الله.

ثم الحكمة في خلق الأرض وجعله الحدّ الذي ذكره يومين، وإن كان قادرا على خلق كل شيء بلا تحديد ولا توقيت [ما قال] بعضهم: فيه تعريفه الخلق وتعليمهم الأناة في الأمور وترك الاستعجال فيها...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أنه تعالى لما أمر محمدا صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى أن يقول {إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} {فاستقيموا إليه واستغفروه} أردفه بما يدل على أنه لا يجوز إثبات الشركة بينه تعالى وبين هذه الأصنام في الإلهية والمعبودية، وذلك بأن بين كمال قدرته وحكمته في خلق السموات والأرض في مدة قليلة، فمن هذا صفته كيف يجوز جعل الأصنام الخسيسة شركاء له في الإلهية والمعبودية؟ فهذا تقرير النظم.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{وتجعلون له أنداداً}: أي أشباهاً وأمثالاً من الملائكة والجن والأصنام يعبدونها دونه.

وتجعلون معطوف على لتكفرون، فهو داخل في حيز الاستفهام المقتضي الإنكار والتوبيخ.

{ذلك} أي موجد الأرض ومخترعها.

{رب العالمين} من الأنداد التي جعلتم له وغيرهم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يمضي الداعية يكشف لهم عن شناعة الجرم الذي يرتكبونه بالشرك والكفر. يمضي بهم في المجال الكوني العريض. مجال السماوات والأرض، والكون الذي هم بالقياس إليه شيء ضئيل هزيل. يمضي بهم في هذا المجال ليكشف لهم عن سلطان الله الذي يكفرون به في فطرة هذا الكون الذي هم جزء منه. ثم ليخرجهم من الزاوية الضيقة الصغيرة التي ينظرون منها إلى هذه الدعوة، حيث يرون أنفسهم وذواتهم كبيرة كبيرة؛ ويشغلهم النظر إليها وإلى اختيار محمد [صلى الله عليه وسلم] من دونهم. والحرص على مكانتهم ومصالحهم.. إلى آخر هذه الاعتبارات الصغيرة.. يشغلهم هذا عن النظر إلى الحقيقة الضخمة التي جاءهم بها محمد، وفصلها هذا القرآن. الحقيقة التي تتصل بالسماوات والأرض؛ وتتصل بالبشرية كلها في جميع أعصارها؛ وتتصل بالحق الكبير الذي يتجاوز زمانهم ومكانهم وشخوصهم؛ وتتصل بالكون كله في الصميم.

قل لهم: إنكم إذ تكفرون. إذ تلقون بهذه الكلمة الكبيرة في استهتار. إنما تأتون أمراً عظيماً، مستنكراً قبيحاً، إنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض وجعل فيها رواسي من فوقها. وبارك فيها. وقدر فيها أقواتها.

والذي خلق السماوات ونظم أمرها. وزين السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً. والذي أسلمت له السماء والأرض قيادهما طائعتين مستسلمتين.. وأنتم..أنتم بعض سكان هذه الأرض تتأبون وتستكبرون!

ولكن النسق القرآني يعرض هذه الحقائق بطريقة القرآن التي تبلغ أعماق القلوب وتهزها هزاً. فلنحاول أن نسير مع هذا النسق بالترتيب والتفصيل:

قل: أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين، وتجعلون له أنداداً. ذلك رب العالمين...

إنه يذكر حقيقة خلق الأرض في يومين. ثم يعقب عليها قبل عرض بقية قصة الأرض. يعقب على الحلقة الأولى من قصة الأرض. (ذلك رب العالمين).. وأنتم تكفرون به وتجعلون له أنداداً. وهو خلق هذه الأرض التي أنتم عليها. فأي تبجح وأي استهتار وأي فعل قبيح؟!

وما هذه الأيام: الاثنان اللذان خلق فيهما الأرض. والاثنان اللذان جعل فيهما الرواسي وقدر فيهما الأقوات، وأحل فيهما البركة. فتمت بهما الأيام الأربعة؟

إنها بلا شك أيام من أيام الله التي يعلم هو مداها. وليست من أيام هذه الأرض. فأيام هذه الأرض إنما هي مقياس زمني مستحدث بعد ميلاد الأرض. وكما للأرض أيام، هي مواعيد دورتها حول نفسها أمام الشمس، فللكواكب الأخرى أيام، وللنجوم ايام. وهي غير أيام الأرض. بعضها أقصر من أيام الأرض وبعضها أطول.

والأيام التي خلقت فيها الأرض اولاً، ثم تكونت فيها الجبال، وقدرت فيها الأقوات، هي أيام أخرى مقيسة بمقياس آخر، لا نعلمه، ولكننا نعرف أنه أطول بكثير من أيام الأرض المعروفة.

وأقرب ما نستطيع تصوره وفق ما وصل إليه علمنا البشري أنها هي الأزمان التي مرت بها الأرض طوراً بعد طور، حتى استقرت وصلبت قشرتها وأصبحت صالحة للحياة التي نعلمها. وهذه قد استغرقت -فيما تقول النظريات التي بين أيدينا- نحو ألفي مليون سنة من سنوات أرضنا!

وهذه مجرد تقديرات علمية مستندة إلى دراسة الصخور وتقدير عمر الأرض بوساطتها. ونحن في دراسة القرآن لا نلجأ إلى تلك التقديرات على أنها حقائق نهائية. فهي في أصلها ليست كذلك. وإن هي إلا نظريات قابلة للتعديل. فنحن لا نحمل القرآن عليها؛ إنما نجد أنها قد تكون صحيحة إذا رأينا بينها وبين النص القرآني تقارباً، ووجدنا أنها تصلح تفسيراً للنص القرآني بغير تمحل. فنأخذ من هذا أن هذه النظرية أو تلك أقرب إلى الصحة لأنها أقرب إلى مدلول النص القرآني.

والراجح الآن في أقوال العلم أن الأرض كانت كرة ملتهبة في حالة غازية كالشمس الآن -والأرجح أنها قطعة من الشمس انفصلت عنها لسبب غير متفق على تقديره- وأنها استغرقت أزماناً طويلة حتى بردت قشرتها وصلبت. وأن جوفها لا يزال في حالة انصهار لشدة الحرارة حيث تنصهر أقسى الصخور.

ولما بردت القشرة الأرضية جمدت وصلبت. وكانت في أول الأمر صخرية صلبة. طبقات من الصخر بعضها فوق بعض...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جملة {قُلْ أئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ} إلى آخرها استئناف ابتدائي ثان هو جواب ثان عن مضمون قولهم: {إننا عاملون} [فصلت: 5]. وهمزة الاستفهام المفتتح بها الكلام مستعملة في التوبيخ فقوله: {أئِنَّكُم لَتَكْفُرُونَ} كقوله في سورة البقرة (28) {كيف تكفرون باللَّه}.

وفي الافتتاح بالاستفهام وحرفي التوكيد تشويق لتلقي ما بعد ذلك لدلالة ذلك على أن أمراً مُهمّاً سيُلقى إليهم، وتوكيد الخبر ب (إنَّ) ولام الابتداء بعد الاستفهام التوبيخي أو التعجيبي استعمال وارد كثيراً في الكلام الفصيح؛ ليكون الإِنكار لأمر محقق، وهو هنا مبني على أنهم يحسبون أنهم مهتدون وعلى تجاهلهم الملازمةَ بين الانفراد بالخلق وبين استحقاق الإِفراد بالعبادة فأُعلموا بتوكيد أنهم يكفرون، وبتوبيخهم على ذلك، فالتوبيخ المفاد من الاستفهام مسلط على تحقيق كفرهم بالله، وذلك من البلاغة بالمكانة العليا، واحتمالُ أن يكون التوكيد مسلطاً على التوبيخ والإِنكار قلب لنظام الكلام.

ومجيء فعل « تكفرون» بصيغة المضارع لإِفادة أن تجدد كفرهم يوماً فيوماً مع سطوع الأدلة التي تقتضي الإِقلاع عنه أمر أحق بالتوبيخ.

ومعنى الكفر به الكفر بانفراده بالإِلهية، فلما أشركوا معه آلهة كانوا واقعين في إبطال إلهيته؛ لأن التعدد ينافي حقيقة الإِلهية فكأنهم أنكروا وجوده؛ لأنهم لمّا أنكروا صفات ذاته فقد تصوروه على غير كنهه.

وأدمج في هذا الاستدلال بيان ابتداء خلق هذه العوالم، فمحل الاستدلال هو صلة الموصول، وأما ما تعلق بها فهو إدماج.

و {الأرض}: هي الكرة الأرضية بما فيها من يابس وبحار، أي خلق جِرمها. واليومان: تثنية يوم، وهو الحصة التي بين طلوع الشمس من المشرق وطلوعها ثانية، والمراد: في مدة تساوي يَومين مما عرفَه الناس بعد خَلق الأرض؛ لأن النور والظلمة اللذان يُقدَّر اليوم بظهورهما على الأرض لم يظهرا إلا بعد خلق الأرض، وقد تقدم ذلك في سورة الأعراف. وإنما ابتُدئ بذكر خلق الأرض؛ لأن آثاره أظهرُ للعيان وهي في متناول الإِنسان، فلا جرم أن كانت الحجة عليهم بخلق الأرض أسبقَ نهوضاً؛ ولأن النعمة بما تحتوي عليه الأرض أقوى وأعمّ فيظهر قبح الكفران بخالقها أوضح وأشنع.

وعطْفُ {وَتَجْعَلُون لَهُ أندَاداً} على {لتكفرون} تفسيرٌ لكفرهم بالله. وكان مقتضى الظاهر أن في التفسير لا يعطف فعدل إلى عطفه ليكون مضمونه مستقلاً بذاته.. والتعبير عن الجلالة بالموصول دون الاسم العلم؛ لما تؤذن به الصلة من تعليل التوبيخ؛ لأن الذي خلق الأرض هو المستحق للعبادة.

والإشارة ب {ذلك رَبُّ العالمين} إلى « الذي خلق الأرض في يومين» وفي الإشارة نداء على بلادة رأيهم إذ لم يتفطنوا إلى أن الذي خلق الأرض هو رب العالمين؛ لأنه خالق الأرض وما فيها، ولا إلى أن ربوبيته تقتضي انتفاء الند والشريك، وإذا كان هو رب العالمين فهو رب ما دون العالمين من الأجناس التي هي أحط من العقلاء كالحجارة والأخشاب التي منها صُنع أصنامهم...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

انتقل السياق هنا إلى النظر في آيات الكون، لأنها هي الوسيلة للإيمان بالمكوِّن سبحانه، فالكون كَوْن عجيب بديع مُتقن في نظامه وفي هندسته، هذا النظام مُستقر لا يتخلف ولا يطرأ عليه ما يُخرجه عن هذا الإتقان، فإنْ أردتَ أنْ تُرقِّق قلوب الناس فذكِّرهم بالآيات الكونية الطبيعية التي لا دخْلَ للإنسان فيها.

لذلك نجد كثيراً في القرآن: {وَمِنْ آيَاتِهِ..} [الشورى: 32].

وهنا يحدثنا عن الخلق الأول وبداية نشأة هذه الأرض {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ..} والهمزة هنا أفادتْ الاستفهام الإنكاري الذي ينكر عليهم كفرهم بالخالق سبحانه، وكأنه يقول لهم: إن هذا العمل منكم معلوم لنا وهو لا يجوز، فيريد سبحانه أنْ يلفتهم إلى المقابل.

ثم لم يكتفُوا بالكفر بالخالق بل {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً..} يعني: شركاء. مع أنهم يعلمون أنه سبحانه الخالق وحده: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} [الزخرف: 87] {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [لقمان: 25].