نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{۞قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (9)

ولما ذكر سبحانه سفههم في كفرهم بالآخرة ، شرع في ذكر الأدلة على قدرته عليها وعلى كل ما يريد بخلق الأكوان وما فيها الشامل لهم ولمعبوداتهم من الجمادات وغيرها الدال على أنه واحد لا شريك له ، فقال منكراً عليهم ومقرراً بالوصف لأنهم كانوا عالمين بأصل الخلق : { قل } أي لمن أنكر الآخرة منكراً عليه بقولك : { أئنكم } وأكد لإنكارهم التصريح بما يلزمهم من الكفر { لتكفرون } أي توجدون حقيقة الستر لأنوار العقول الظاهرة { بالذي خلق الأرض } أي على سعتها وعظمتها من العدم { في يومين } فتنكرون قدرته على إعادة ما خلقه منها ابتداء مع اعترافكم بأنه ابتدأ خلقها وخلق ذلك منها ، وهذان اليومان الأحد والاثنين - نقل هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما وعبد الله بن سلام رضي الله عنه - قال ابن الجوزي : والأكثرين ، وحديث مسلم الذي تقدم في سورة البقرة " خلق الله التربة يوم السبت " يخالف هذا ، فإن البداءة فيه بيوم السبت وهو مصرح بأن خلق الأرض وما فيها في ستة أيام كما هو ظاهر هذه الآية ، ويجاب بأن المراد بالخلق فيه إخراج أقواتها بالفعل ، والمراد هنا تهيئتها لقبول ذلك ، ويشكل أيضاً بأن الأيام إنما كانت بدوران الأفلاك ، وإنما كان ذلك بعد تمام الخلق بالفعل ، فالظاهر أن المراد باليوم ما قال الحرالي : مقدار ما يتم فيه أمر ظاهر أو مقدار يومين تعرفونها من أيام الدنيا . ولما ذكر كفرهم بالبعث وغيره ، عطف على { تكفرون } قوله : { وتجعلون } أي مع هذا الكفر { له أنداداً } مما خلقه ، فتثبتون له أفعالاً وأقوالاً مع أنكم لم تروا شيئاً من ذلك ، فأنكرتم ما تعلمون مثله وأكبر منه ، وأثبتّم ما لم تعلموه أصلاً ، هذا هو الضلال المبين .

ولما بكتهم على قبيح معتقدهم ، عظم ذلك بتعظيم شأنه سبحانه فقال : { ذلك } أي الإله العظيم { رب العالمين * } أي موجدهم ومربيهم ، وذلك يدل قطعاً على جميع ما له من صفات الكمال .