فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{۞قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (9)

{ *قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين( 9 ) } .

يأمر الله تعالى نبيه أن يسوق دليلا على وحدانية البارئ المقتدر ؛ وبدأ بتوبيخ المشركين والتعجيب من حالهم وإنكار ما ذهبوا إليه ؛ فكأن المعنى : لما تكفرون بالله وهو خالق الأرض . . ومقدر أقواتها . . وخالق السماء وطباقها وهو المدبر لأمرها ؟ !

والكفر-أعاذنا الله منه- قد ينصرف إلى المعنى العام وهو الجحود ، إذ هو من كفر بمعنى غطّى وستر ، فالكافر يخفي حقيقة بين جوانحه تنادي أنه مخلوق والله خالقه : { . . فطرة الله التي فطر الناس عليها . . }{[4147]} .

وإن في الأرض لعبرا ، وإنها لمملوءة خيرا ، فمن التراب أنشأ الله أبو البشر آدم ، وفي باطنها يُقْبرُ الأناسيّ ، ثم منها يكون نشورهم : { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى }{[4148]} . وشاء البارئ-جل علاه- أن يجعلها في حيّز لا تصلح بعيدا عنه ، وبحجم لو كان أكبر أو أصغر مما هو عليه لاستحالت الحياة فوقها ، ولو كان سمك قشرة الأرض أكثر- ولو قليلا- من سمكها الحالي لما وجد الأكسجين في غلافها الجوي- وبدونه لا حياة- ولو قل سمك الغلاف الغازي لما أمكن حماية الحياة على الأرض من الأشعة الكونية ، ولما أمكن الاحتفاظ للأرض بمتوسط حرارتها الثابت .

فكيف يجحد الجاحدون ؟ وكيف تتراءى هذه الآيات ثم هم يصدفون ؟ !

وبعد أن أنكر على أهل الكفر في عمومهم ، أبطل ما ذهب إليه المشركون من ادعائهم الأشباه والنظراء لله الخلاق-جل علاه-إذ هو رب العوالم كلها إنسها وجنها ومَلَكِها ، وكوكبها وفلكها ، ونباتها وحيوانها ، فهل المخلوق المحتاج في وجوده إلى من يوجده ويحفظه يستطيع أن يوجد شيئا أو يخلق حبة وذرة ؟ ! العقل يحيل ذلك ، والله يشهد ، وأولوا العلم يشهدون أن الله هو الخلاق العليم ، وكفى بالله شهيدا .


[4147]:سورة الروم. من الآية 53.
[4148]:سورة طه. من الآية 55.