تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (9)

الآية 9 وقوله تعالى : { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ } /482 –ب/ تأويل هذه الآية كما ذكرنا في قوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } الآية [ البقرة : 28 ] وهو يخرّج على وجوه :

أحدها : كيف تنكرون وحدانيته ، وتكفرونه ، وهو الذي أحياكم ، لا الأصنام التي تعبدنها ؟

والثاني : [ كيف ]{[18408]} تنكرون قدرة الله في البعث ، وقد رأيتم قدرته في ابتداء{[18409]} إنشائكم وتقليبكم من حال إلى حال ؟

والثالث : كيف تكفرون برسوله ، وقد خلقكم الله تعالى ، وامتحنكم بأنواع المحن ، وكلّفكم{[18410]} ، وأمركم بأوامر ونواهٍ ما لو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يقوم بها ]{[18411]} لا يمكنكم القيام بأكثرها ، وكان خلقه إياكم عبثا ؟

فعلى هذه الوجوه يخرّج [ قوله ]{[18412]} : { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } الآية ؟

[ أحدها ]{[18413]} : أإنكم لتكفرون ، وحدانية الله ، وقد خلق الأرض في يومين وما ذكر ؟

والثاني : أإنكم لتكفرون ، وتنكرون قدرته على البعث ، وقد خلق الأرض في يومين [ بُعد ]{[18414]} أطرافها وسعتها ؟

فكيف تنكرون قدرته على البعث ، وقد رأيتم قدرته على خلق ما ذكر ؟

والثالث : أإنكم لتكفرون نعم{[18415]} الله التي أنعمها عليكم من خلق ما ذكر من الأرض وغيرها وما أنعم عليكم من بعث الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف تصرفون شكرها إلى غير الذي لم يفعل ذلك لكم ؟ وتنكرون رسالة رسوله ؟ ولا بد من رسول ، يرسل إليكم ، وذلك من أعظم النّعم وأجلّها .

ويخرّج تأويل الآية على هذه الوجوه التي ذكرنا :

أحدها : في إنكار وحدانية الله وألوهيته .

والثاني : في إنكار قدرته على البعث .

والثالث : في إنكارهم رسالة الرسول وصرفهم شكر نعمه إلى غيره بعبادتهم غير الله .

ثم الحكمة في خلق الأرض وجعله الحدّ الذي ذكره يومين ، وإن كان قادرا على خلق كل شيء بلا تحديد ولا توقيت [ ما قال ]{[18416]} بعضهم : فيه تعريفه الخلق وتعليمهم{[18417]} الأناة في الأمور وترك الاستعجال فيها .

والأصل في ذلك عندنا أن الله ، جل ، وعلا ، جعل أمر الدنيا وأمر هذا العالم على التحديد والتقليب من حال إلى حال نحو ما ذكر من تقليبه وتغييره من حال النطفة إلى حال العلقة ومن حال العلقة إلى حال المضغة ومن حال المضغة إلى حال تركيب الجوارح ثم إلى إنسان ثم [ من ]{[18418]} تلك الحال إلى أن يكبر ؛ يقلّبه من حال إلى حال أخرى .

وكذلك أمر الدنيا وما فيها من الفواكه والنبات وغير ذلك ، ينشئها ، ويحدثها في كل عام ، وإن كان لو شاء لأحدثها في عام واحد أو ساعة واحدة ، وأبقاها إلى آخر الأبد .

لكن لم يفعل ذلك لما بنى هذا العالم على الفناء والفساد يضربان هذه الأحوال عليها على الأصل والوضع .

ولذلك ركّب فيهم المرض والسُّقم والسلامة والصحة ، وبنى أمر الآخرة على البقاء والدوام .

فعلى ذلك أمر{[18419]} التحديد في خلق الأرض .

ويحتمل أن يقال : جعل التحديد والتقدير لأنها دار محنة وابتلاء . والابتلاء إنما يقع على التوقيت والتقدير في أوقات متباينة وأسباب مختلفة .

فأما الآخرة فلا محنة فيها ، ولا بليّة ، فهي على الدوام والبقاء . لذلك كان ما ذكر .


[18408]:ساقطة من الأصل وم.
[18409]:في الأصل وم: ابتدائه.
[18410]:من م، في الأصل: وكلفهم
[18411]:ساقطة من الأصل وم.
[18412]:من م، ساقطة من الأصل
[18413]:في الأصل وم: أي.
[18414]:من م، ساقطة من الأصل.
[18415]:في الأصل وم: نعمة.
[18416]:في الأصل وم: فقال.
[18417]:في الأصل وم: والتعليم
[18418]:من م، ساقطة من الأصل.
[18419]:في الأصل وم: من.