قوله تعالى : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ } الآية قرأ ابنُ كثير أينكم لتكفرون - بهمزة وبعدها ياء محققة ساكنة بلا مد - والباقون ممدوداً مشدد النون{[48545]} . وهو استفهام بمعنى الإنكار ، أي كيف تكفرون بالله ، وكيف يجوز جعل هذه الأنداد الخسيسة أنداداً لله مع أنه تعالى خلق الأرض في يومين ، وهما يوم الأحد ويوم الاثنين ، وتمم بقية مصالحها في يومين آخرين وخلق السموات بأسرها في يومين آخرين ، فمن قدر على خلق هذه الأشياء العظيمة كيف يعقل الكفر به ، وإنكار قدرته على الحَشْر والنَّشر{[48546]} ؟
فإن قيل : مَن استدل بشيء على إثبات شيء فذلك الشيء المستدل به يجب أن يكون مسلماً عند الخصم حتى يصح الاستدلال به ، وكونه تعالى خالقاً للأرض في يومين أمر لا يمكن إثباته بالعقل المحض إنا يمكن إثباته بالسمع ووحي الأنبياء والكفار كانوا منازعين في الوحي والنبوة ، فلا يعقل تقرير المقدمة عليهم ، وإذا امتنع تقريرها عليهم امتنع الاستدلال بها على فساد مذاهبهم .
فالجواب : إثبات كون السموات والأرض مخلوقةً بالعقل مُمكنٌ ، وإذا أمكن ذلك أمكن الاستدلال به على وجود الإله القادر القاهر العظيم . وحينئذ يقال : الكافر كيف يعقل التسوية بين الإله الموصوف بهذه القدرة القادرة{[48547]} وبين الصَّنم الذي هو جمادٌ لا يضرُّ ولا ينفع في المعبودية{[48548]} والإلهية ؟ بقي أن يقال : فحينئذ لا يبقى في الاستدلال بكونه تعالى خالقاً للأرض في يومين أثر . قال ابن الخطيب : بل له أثر في هذا الباب ، وذلك أن التورية مشتملة على هذا المعنى ، فكان ذلك في غاية الشهرة بين أهل الكتاب فكفار مكة كانوا يتعقدون في أهل الكتاب أنهم أصحاب العلوم ، والظاهر أنهم كانوا قد سمعوا من أهل الكتاب هذه المعاني فاعتقدوا كونها حقاً ، وإذا كان الأمر كذلك حَسن أن يقال لهم : إن الإله الموصوفَ بالقدرة على خلق هذه الأشياء العظيمة في هذه المدة اللطيفة كيف يليق بالعقل جعل الخشب المنجور والحجر المنحوت شريكاً له في المعبودية والإلهية ؟ ! فبهذا التقدير حسن الاستدلال{[48549]} .
قوله : «وَتَجْعَلُونَ لَهُ » عطف على «لَتَكْفُرُونَ »{[48550]} فهو داخل في حيز الاستفهام وقوله : { ذَلِكَ رَبُّ العالمين } أي ذلك الموجود الذي علمتَ من صفته وقدرته أن خلق الأرض في يومين ( هو{[48551]} رب العالمين وخالقهم ومبدعهم فكيف أثبتم له أنداداً من الخشب والحجر ؟ ثم إنه تعالى لما أخبر عن كونه خالقاً للأرض في يومين )
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.