اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (9)

قوله تعالى : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ } الآية قرأ ابنُ كثير أينكم لتكفرون - بهمزة وبعدها ياء محققة ساكنة بلا مد - والباقون ممدوداً مشدد النون{[48545]} . وهو استفهام بمعنى الإنكار ، أي كيف تكفرون بالله ، وكيف يجوز جعل هذه الأنداد الخسيسة أنداداً لله مع أنه تعالى خلق الأرض في يومين ، وهما يوم الأحد ويوم الاثنين ، وتمم بقية مصالحها في يومين آخرين وخلق السموات بأسرها في يومين آخرين ، فمن قدر على خلق هذه الأشياء العظيمة كيف يعقل الكفر به ، وإنكار قدرته على الحَشْر والنَّشر{[48546]} ؟

فإن قيل : مَن استدل بشيء على إثبات شيء فذلك الشيء المستدل به يجب أن يكون مسلماً عند الخصم حتى يصح الاستدلال به ، وكونه تعالى خالقاً للأرض في يومين أمر لا يمكن إثباته بالعقل المحض إنا يمكن إثباته بالسمع ووحي الأنبياء والكفار كانوا منازعين في الوحي والنبوة ، فلا يعقل تقرير المقدمة عليهم ، وإذا امتنع تقريرها عليهم امتنع الاستدلال بها على فساد مذاهبهم .

فالجواب : إثبات كون السموات والأرض مخلوقةً بالعقل مُمكنٌ ، وإذا أمكن ذلك أمكن الاستدلال به على وجود الإله القادر القاهر العظيم . وحينئذ يقال : الكافر كيف يعقل التسوية بين الإله الموصوف بهذه القدرة القادرة{[48547]} وبين الصَّنم الذي هو جمادٌ لا يضرُّ ولا ينفع في المعبودية{[48548]} والإلهية ؟ بقي أن يقال : فحينئذ لا يبقى في الاستدلال بكونه تعالى خالقاً للأرض في يومين أثر . قال ابن الخطيب : بل له أثر في هذا الباب ، وذلك أن التورية مشتملة على هذا المعنى ، فكان ذلك في غاية الشهرة بين أهل الكتاب فكفار مكة كانوا يتعقدون في أهل الكتاب أنهم أصحاب العلوم ، والظاهر أنهم كانوا قد سمعوا من أهل الكتاب هذه المعاني فاعتقدوا كونها حقاً ، وإذا كان الأمر كذلك حَسن أن يقال لهم : إن الإله الموصوفَ بالقدرة على خلق هذه الأشياء العظيمة في هذه المدة اللطيفة كيف يليق بالعقل جعل الخشب المنجور والحجر المنحوت شريكاً له في المعبودية والإلهية ؟ ! فبهذا التقدير حسن الاستدلال{[48549]} .

قوله : «وَتَجْعَلُونَ لَهُ » عطف على «لَتَكْفُرُونَ »{[48550]} فهو داخل في حيز الاستفهام وقوله : { ذَلِكَ رَبُّ العالمين } أي ذلك الموجود الذي علمتَ من صفته وقدرته أن خلق الأرض في يومين ( هو{[48551]} رب العالمين وخالقهم ومبدعهم فكيف أثبتم له أنداداً من الخشب والحجر ؟ ثم إنه تعالى لما أخبر عن كونه خالقاً للأرض في يومين )


[48545]:الإتحاف 380 والنشر 2/366 وهي قراءة عشرية متواترة.
[48546]:قاله الرازي في تفسيره 27/103.
[48547]:في ب القاهرة.
[48548]:في ب العبودية.
[48549]:الرازي 27/102.
[48550]:في ب أتكفرون بالهمزة والتصحيح من أ.
[48551]:ما بين القوسين زيادة للمقام من الرازي المصدر السابق.