قوله تعالى : { فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة } وذلك أنه أخذهم حر شديد ، فكانوا يدخلون الأسراب فإذا دخلوها وجدوها أشد حراً فخرجوا ، فأظلتهم سحابة ، وهي الظلة ، فاجتمعوا تحتها ، فأمطرت عليهم نار ، فاحترقوا ، ذكرناه في سورة هود . { إنه كان عذاب يوم عظيم* إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين* وإن ربك لهو العزيز الرحيم } .
فَكَذّبُوهُ يقول : فكذّبه قومه فأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ يعني بالظلة : سحابة ظللتهم ، فلما تتامّوا تحتها التهبت عليهم نارا ، وأحرقتهم ، وبذلك جاءت الاَثار . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن معاوية ، في قوله : فَأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُلّةِ قال : أصابهم حرّ أقلقهم في بيوتهم ، فنشأت لهم سحابة كهيئة الظلة ، فابتدروها ، فلما تتاموا تحتها أخذتهم الرجفة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، في قوله : عَذَابُ يَوْمِ الظُلّةِ قال : كانوا يحفرون الأسراب ليتبرّدوا فيها ، فإذا دخلوها وجدوها أشدّ حرّا من الظاهر ، وكانت الظلة سحابة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني جرير بن حازم أنه سمع قَتادة يقول : بعث شُعيب إلى أمتين : إلى قومه أهل مدين ، وألى أصحاب الأيكة . وكانت الأيكة من شجر ملتفّ فلما أراد الله أن يعذّبهم ، بعث الله عليهم حرّا شديدا ، ورفع لهم العذاب كأنه سحابة فلما دنت منهم خرجوا إليها رجاء بردها ، فلما كانوا تحتها مطرت عليهم نارا . قال : فذلك قوله : فَأخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظّلّةِ .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : ثني سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد ، قال : حدثنا حاتم بن أبي صغيرة ، قال : ثني يزيد الباهلي ، قال : سألت عبد الله بن عباس ، عن هذه الاَية فَأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ إنّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ فقال عبد الله بن عباس : بعث الله عليهم وَمَدَةً وحرّا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم ، فدخلوا البيوت ، فدخل عليهم أجواف البيوت ، فأخذ بأنفاسهم ، فخرجوا من البيوت هربا إلى البرية ، فبعث الله عليهم سحابة ، فأظلتهم من الشمس ، فوجدوا لها بردا ولذّة ، فنادى بعضهم بعضا ، حتى إذا اجتمعوا تحتها ، أرسلها الله عليهم نارا . قال عبد الله بن عباس : فذلك عذاب يوم الظلة ، إنه كان عذاب يوم عظيم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله «يَوْمِ الظّلّةِ » قال : إظلال العذاب إياهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد عَذَابُ يَوْمِ الظلّةِ قال : أظلّ العذابُ قوم شُعيب .
قال ابن جُرَيج : لما أنزل الله عليهم أوّل العذاب ، أخذهم منه حرّ شديد ، فرفع الله لهم غمامة ، فخرج إليها طائفة منهم ليستظلوا بها ، فأصابهم منها رَوْحٌ وبرد وريح طيبة ، فصبّ الله عليهم من فوقهم من تلك الغمامة عذابا ، فذلك قوله : عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر بن راشد ، قال : ثني رجل من أصحابنا ، عن بعض العلماء قال : كانوا عطّلوا حدّا ، فوسع الله عليهم في الرزق ، ثم عطلوا حدّا ، فوسع الله عليهم في الرزق ، ثم عطلوا حدّا ، فوسع الله عليهم في الرزق ، فجعلوا كلما عطلوا حدّا وسع الله عليهم في الرزق ، حتى إذا أراد إهلاكهم سلّط الله عليهم حرّا لا يستطيعون أن يتقارّوا ، ولا ينفعهم ظلّ ولا ماء ، حتى ذهب ذاهب منهم ، فاستظلّ تحت ظُلة ، فوجد رَوْحا ، فنادى أصحابه : هلموا إلى الرّوْح ، فذهبوا إليه سراعا ، حتى إذا اجتمعوا ألهبها الله عليهم نارا ، فذلك عذاب يوم الظلة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تُمَيلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن ابن عباس ، قال : من حدثك من العلماء ما عذاب يوم الظلة ؟ فكذّبه .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فَأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ قوم شعيب ، حبس الله عنهم الظلّ والريح ، فأصابهم حرّ شديد ، ثم بعث الله لهم سحابة فيها العذاب ، فلما رأوا السحابة انطلقوا يؤمونها ، زعموا يستظلون ، فاضطرمت عليهم نارا فأهلكتهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ ، إنّهُ كانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قال : بعث الله إليهم ظُلّة من سحاب ، وبعث إلى الشمس فأحرقت ما على وجه الأرض ، فخرجوا كلهم إلى تلك الظّلة ، حتى إذا اجتمعوا كلهم ، كشف الله عنهم الظلة ، وأحمى عليهم الشمس ، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المِقلَى . وقوله : إنّهُ كانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ يقول تعالى ذكره : إن عذاب يوم الظلة كان عذاب يوم لقوم شُعيب عظيم .
{ الظُّلة } : السحابة ، كانت فيها صواعق متتابعة أصابتهم فأهلكتهم كما تقدم في سورة الأعراف . وقد كان العذاب من جنس ما سألوه ، ومن إسقاط شيء من السماء . وقوله : { فكذبوه } الفاء فصيحة ، أي فتبين من قولهم : { إنما أنت من المسحرين } [ الشعراء : 185 ] أنهم كذبوه ، أي تبين التكذيب والثبات عليه بما دلّ عليه ما قصدوه من تعجيزه إذ قالوا : { فأسْقط علينا كِسْفاً من السماء إن كنت من الصادقين } [ الشعراء : 187 ] . وفي إعادة فعل التكذيب إيقاظ للمشركين بأن حالهم كحال أصحاب شعيب فيوشك أن يكون عقابهم كذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.